سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 27 - الجزء 1

  حتى الجمادات بما آتاها اللهُ من القوةِ والصلابةِ لو أُنزِلَ عليها القرآنُ للانت وخشعت وتفجَّرت بالأنهار، كما قال تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.

  نشكوا إلى اللهِ تلك القلوبَ التي قست ... ورانَ عليها كسبُ تلك المآثمِ

  من خشيةِ المولى هوى الجبلُ الذي ... في الطورِ لانت قسوةُ الأحجارِ

  أولم يأنِ وقتُ الخشوع فلا ... تغرنَّ الحياةُ سوى مغرارٍ

  عبادَ الله: أما آن الأوانُ لأن تخشعَ هذه القلوبُ وتذعنَ وتلينَ لآياتِ اللهِ وبيناتِه، {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}.

  إن المؤمنين بطبعِهم مستجيبون للهِ تنفعُهم العظةُ، وتردعُهم العبرةُ، كما قال تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} حتى معَ آياتِ اللهِ إذا سمعوها لم يخروا عليها صُمّاً وعُمياناً، بل تهزُّ كيانَهم وتنفُذُ إلى أعماقِ ضمائِرِهم، فتخبتَ لها قلوبُهم، وتزدادَ بها قوةً ويقيناً، كما قال تعالى في وصفِهم: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ}.

  وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}.

  وقال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}.

  ما أعظمَ الفرقَ وأبعدَ ما بينَ أولئكَ وهؤلاءِ الذين يهربون من كلامِ اللهِ ويَضِيْقُون به ذرعاً، وتقسوا قلوبُهم وتضيقُ مِن ذكرِ اللهِ، ولا يزيدهم إلا رجساً