سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 28 - الجزء 1

  كما قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ}.

  فأينَ هؤلاءِ من قساةِ القلوب؟ الذين رانت عليها الذنوبُ والآثامُ، فأصبحت كالحجارةِ أو أشد قسوةٍ حتى إننا لنظلمُ الحجرَ إذا شبهنا قلبَ الفاجرِ بها، فـ {إِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.

  إنهم لم يتركوا للقرآنِ مقرّاً في قلوبِهم، بل نبذوه وراءَ ظهورِهم، واستبدلوا بوحي الله وحيَ الشياطين، قال تعالى: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}.

  إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد أصبحت القلوبُ القاسيةُ التي أبتْ أن تكون مقراً لوحيِ اللهِ مستودعاً لوحيِ الشياطين. ولذا فقد توعد اللهُ هذا الصنفَ من قساةِ القلوب بقولِه: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}.

  وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}.

  عبادَ الله: إن مِن صفاتِ أولياءِ اللهِ أن إذا سَمِعُوا آياتِ الله تُتلى خرُّوا سجداً وبُكيّاً، {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ}.

  فاللهَ اللهَ عبادَ الله في كتابِ ربِّكم، خذوه بقوةٍ واذكروا ما فيه واتبعوه، وأحِلُّوا حلالَه وحرموا حرامَه، فإنما هلك من كان قبلَكم بتضييع حدودِه وركوبِ متونِ زجرِه.

  عبادَ الله: كلٌّ مِنَّا يقرأُ القرآنَ، ولكن هل من متدبرٍ ربطَ حياتَه بالقرآنِ قولاً وعملاً؟ يُقْبَلُ عليه تلاوةً وتفسيراً وتدبراً، منه ينطلقُ، وإليه يرجعُ، امتثالاً لقولِه تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}.