الخطبة الثانية
  عباده، ليُعرف صادق الإيمان من الكاذب، ليميز الله الخبيث من الطيب كما قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ٢ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}.
  ابتلاءاتٌ واختباراتٌ وشدائدُ، لابدَّ أن يذوقَ مرارتَها المؤمنُ، ويتجرعُ غصصَها كلُّ من أرادَ الجنةَ والنعيمَ كما قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ}.
  هذه هي سنةُ اللهِ في الحياةِ، وهذا حالُ الدنيا في تقلبها بأهلها.
  عبادَ الله: نحن في زمنِ فتنٍ وصفها الرسول ÷ وشبَّهَها بِقِطَعِ الليلِ المظلمِ، تذر الحليم فيها حيراناً، وقانا الله وإياكم شرها وضرها وبلاءها، وليس لنا من ملجأ نلجأ إليه، ولا كهف نأوي إليه، إلا إلى ركنِ الله الوثيقِ والتمسكِ بحبلِه المتينِ، فهو مدبرُ الأمورِ ومصرفُ الأحوالِ، إنه خيرٌ حافظاً وهو أرحمُ الرحمين.
  فهو وحدَه الذي لا يخيبُ مَنْ سألَه، ولا يَردُّ من دعاه ولا يخفى عليه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ، يدعوه الكافرُ بينَ الماءِ، وفي عرضِ المحيطِ الهائجِ والأمواجِ المتلاطمةِ، فيجيبُه، وبلطفِه يحميه وينجيه كما قال تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ}
  يا من يجيبُ دعا المضطرِّ في الظُّلُم ... يا كاشفَ الضرِّ والبلوى مع السقمِ
  إن كان أهلُ التقى فازوا بما فعلوا ... فمن يجودُ على العاصين بالكرم
  عبادَ الله: يقولُ اللهُ تبارك وتعالى في الحديث القدسي: «عبدي أذكرْني في الرخاء أذكرْك في الشدة».
  فاذكروا الله يذكرْكم، واشكروه على نعمه يزدكم، وارجوا منه الفضلَ والخيرَ