الخطبة الأولى
  ونراه ø ينبهُ العقولَ إلى ذلك ويذكّرُ العبدَ بتلك النعمِ والمننِ الجزيلةِ بقولِه عز من قائل: {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ} عليه أن يفكر من أي شيء خلقناه، ومن أي عنصر ابتدأناه {خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ ٦ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبٍِ}، وقوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً ١ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً}.
  ألا يعلمُ ابنُ آدم ذلك؟ هل عصى فنسا؟ أم طغى واستغنى؟ {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَأَىهُ اسْتَغْنَى} إن اللهَ سبحانَه بما آتانا من البيناتِ والهدى في محكمِ آياتِ الذكرِ المبينِ يوبخُنا ويؤنبُنا على نعمِه التي قابلناها بالأعراضِ والتولي والكفران كما قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} خلق اللهُ الإنسانَ من نطفةٍ إذا تمنى، من علقةٍ حقيرةٍ صغيرةٍ، فأنشأه وعلَّمه، وسواه فعدَّله، حتى إذا بلغَ أشده واستوى، تولى كِبْرَهُ وبارز الله بالعداوة وظاهره بالعصيان، وقابل نعيمه بالكفران، حتى إذا ذُكِّر بنعمة ربه أو وعظ بما فيه نفعه ومصلحته أنف واستكبر وأعرض وتجبر، {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لَا يُحِبُّ الفَسَادَ ٢٠٥ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}، فإنا الله وإنا إليه راجعون.
  عبادَ الله: أهذا جزاءُ نعمِ اللهِ فهل جزاءُ الإحسانِ إلا الإحسان، هل أنصفنا من أنفسِنا، وهل أعطينا الحقَّ لها وعليها امتثالاً لأمرِ اللهِ القائلِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} هذا خيرُ اللهِ في كلِّ وقتٍ إلينا نازلٌ، وشرُّنا إليه صاعدٌ، نأكلُ من نعمتِه لنتقوى بها على معصيته، ونتزودُ من رزقِه لنستعينَ به على ظلمِ خلقه {إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ}.
  لقد غطَّى على القلوبِ الرانُ، وعلى الأعينِ غشاوةٌ، وفي الآذانِ وقرٌ، ومن