الخطبة الأولى
  إن وقفهً واحدةً مع آياتِ اللهِ العظمى لتبني النفوسَ بناءً لا يتزلزلُ ولا يحيفُ، {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً ٦٦ وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيماً ٦٧ وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً}.
  عبادَ الله: ليس المقصودُ من القرآن أن نتعبدَ بتلاوتِه، وأن نزينَ به جدرانَ بيوتِنا ومساجِدِنا فحسب، بل إنه لا بُدَّ من الإيمانِ والتصديقِ بما جاءَ به، والعملِ بِه كما قالَ تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} وإحلالِ حلالِه، وتحريمِ حرامهِ، وكلُّ مَنْ تهاونَ بأمرٍ مِنْ أوامرِه، أو تعدى حدّاً من حدودهِ فليس من الله في شيء، وقد استحقَّ بذلك العذابَ، واستوجب سخطَ اللهِ.
  لا يليقُ بالمؤمنِ أن يتظاهرَ بالطاعةِ، ويزعمَ أنه من أهلِ التقوى وأهلِ المغفرةِ، وهو يمشي على غير صراطِ اللهِ، ومنهاجِه الذي شرعه في كتابِه، فيعمل من القرآن ما وافقَ هواهُ، وينبذُ ما دونَ ذلك خلفَ ظهرِه؛ فيكون ممن يشكوهم رسولُ اللهِ إلى ربه بقوله: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً}.
  عبادَ الله: إن المتأملَ في آياتِ القرآنِ، وما حوتْ من الشرائعِ والأحكامِ لتأخذُه الدهشةُ والعجبُ، ويقف حائراً مدهوشاً مما يرى، حيث أصبحنا من القرآنِ بمنزلة الثرى من الثريا، أحكامُه في جانبٍ، ونحنُ في جانبٍ، فلا أحللنا حلالَه ولا حرمنا حرامَه، نتلو آياتِه ونتركُ العملَ بأحكامِه (وكم من قارئٍ للقرآنِ والقرآنُ يلعنُه).
  عبادَ الله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ}، مَن جعله أمامَه قادَهُ إلى الجنةِ ومن جعلَه خلفَه ساقَهُ إلى النارِ، فكم من أمرٍ انتهكناه، وكم من حكمٍ تركناه.
  فأصبحنا كما قال ÷: «ما بالُ أقوامٍ يشرِّفون المترفين، ويستخفون بالعابدين، ويعملون بالقرآنِ ما وافقَ أهواءَهم، وما خالفَ أهواءَهم تركوه، فعند ذلك يؤمنون ببعضٍ ويكفرون ببعضٍ» وذلك قولُ الله: