الخطبة الأولى
  {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.
  عبادَ الله: إن مَن قرأَ القرآنَ ولم يعملْ بما فيه سوف يحشرُه اللهُ يومَ القيامةِ أعمى كما قالَ تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ١٢٤ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً ١٢٥ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ١٢٦ وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى}.
  ومَن قَرأَه وحَكَّمَهُ في جميعِ أمورِه كانَ لَهُ نوراً في قبره، وأنيساً في وحشتِه، ونوراً في حشرِه ونشرِه. قالَ رَسُولُ اللَّهِ ÷: «يَأْتِي الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ لِسَانٌ طَلْقٌ ذَلْقٌ قَائِلاً مُصَدَّقاً، وَشَفِيعاً مُشَفَّعاً، فَيَقُولُ: يَارَبِّ جَمَعَنِي فَلَانٌ عَبْدُكَ فِي جَوْفِهِ؛ فَكَانَ لَا يَعْمَلُ فِيَّ بِطَاعَتِكَ، وَلَا يَجْتَنِبُ فِيَّ مَعْصِيَتَكَ، وَلَا يُقِيمُ فِيَّ حُدُودَكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: صَدَقْتَ؛ فَتَكُونُ ظُلْمَةٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَأُخْرَى عَنْ يَمِينِهِ، وَأُخْرَى عَنْ شِمَالِهِ، وَأُخْرَى مِنْ خَلْفِهِ تَبْتَزُّهُ هَذِهِ وَتَدْفَعُهُ هَذِهِ حَتَّى تَذْهَبَ بِهِ إِلَى أَسْفَلِ دَرْكٍ فِي النَّارِ.
  قَالَ: وَيَأْتِي فَيَقُول: يَارَبِّ جَمَعَنِي فُلَانٌ عَبْدُكَ فِي جَوْفِهِ؛ فَكَانَ يَعْمَلُ فِيَّ بِطَاعَتِكَ، وَيَجْتَنِبُ فِيَّ مَعْصِيَتَكَ، وَيُقِيمُ فِيَّ حُدُودَكَ، فَيَقُولَ: صَدَقْتَ، فَيَكُونُ لَهُ نُوراً يَصْدَعُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَارْقَ فَلَكَ بِكُلِّ حَرْفٍ دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى تُسَاوِي النَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءَ هَكَذَا وَجَمَعَ بَيْنَ الْمُسَبِّحَةِ وَالْوُسْطَى».
  عبادَ الله: لقد أصبحنا في الزمن الذي نبأنا به رسولُ الله ÷ حينَ قال: «يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمُه ولا من القرآنِ إلا رسمُه».