سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 8 - الجزء 2

  الغلبةُ إِمَّا لِلرّوحِ، فَيَسْعَدُ الْإِنْسَانُ، وَإِمّا لِلْجَسَدِ والْنَّفسِ، فَيُشْقَى بِذَلِكَ، وَمِمَّا وَرَد في الأثَرِ أنّ مَلَكَ الْمَوتِ إِذَا قَبِضَ رُوْحَ الْعَبدِ الْمُؤمِنِ، قَالَتِ الروحُ لِلجَسَدِ: جَزَأكَ اللهُ عَنِّي خَيْراً، فَقَدْ كُنْتَ سَرِيعاً إِلَى طَاعَةِ اِللهِ بَطِيئاً عَن مَعْصِيةِ اِللهِ، فَقدْ نَجْوَتَ وَأَنْجَيتَ، وَيَقولُ الْجَسَدُ لَها: مِثلُ ذَلِك، وإِنْ كانَ عَاصِياً قَالَتِ الروحُ لِلْجَسَدِ: جَزَاكَ اللهُ عَنِّي شَرَّاً، فَقَدْ كُنْتَ سَرْيعاً فِي مَعْصِيةِ اللهِ بَطيئاً عَنْ طَاعَتِهِ، فَقَدْ هَلَكتَ وَأَهْلَكْتَ، وَيقولُ الْجَسَدُ لِلرُّوحِ مِثلُ ذَلِك.

  وَقد ضَرَبَ اللهُ فِي القُرآنِ لَنَا مِنْ الأَمْثَالِ مَا فِيهِ عِبرةٌ لِمَنِ اعْتَبَرَ، وَلنَتَأَمّلِ الْمَثَلَ الّذِي ضَرَبَهُ اللهُ عَنْ عَابدِ بَني إِسْرَائِيلَ الّذَي تَبِعَ هَواهُ، وأَطَاعَ شَهواتِهِ ونَفْسَهُ، وَعَصَى رُوحَهُ، وَخَالَفَ عَقْلَهُ، فَكَانَ عاقِبَةُ أَمْرِه خُسراً.

  قَال تَعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}⁣[الأعراف ١٧٥ - ١٧٦] باركَ اللهُ لِيْ وَلكم فِي القُرآنِ الْعَظيمِ، وَنَفَعنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فيه مِنَ الآياتِ والذِّكْرِ الْحَكِيمِ، إِنَّهُ تَعَالَى جَوادٌ مَلِكٌ بَرٌّ رَؤوفٌ رَحِيمٌ، فَاسْتَغفِرُوه إِنَّهُ هو الغفورُ الرَّحيم.