سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 10 - الجزء 2

  بِدُسْتُورٍ إِلَهيٍّ وَقَانُونٍ من لدُنْ حَكِيمٍ خَبير، يُدِيرُ نِظَامَ هَذا الْكونِ {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} إِنَّهُ دُسْتُورٌ رَبَّانيٌّ وَكِتَابٌ خَالِدٌ يُنَظِّمُ حَيَاةَ البَشَرِيَّةِ، وَيُعَلِّمُهُم طُرُقَ العَيْشِِ وَالْكَسْبِِ الحلالِ، وَأَسَالِيبَ المُعَامَلةِ الطيبةِ، لِكي يَعيشُوا تَحت ظِلِّ نِظامٍ إِلهيٍّ آمنٍ، وحياةٍ مُستقِرَّةٍ طَيبةٍ، تَملؤُها الرحمةُ والأَمنُ والسعادةُ التي فَقَدَها الناسُ في هذا الزمانِ، وما ذَلِكَ إِلا لِبُعدِهِم عَن تَعالِيمِ دينِهم، ودُستورِه الخالدِ، الّذي نَبذُوه وَرَاءَ ظُهُورِهِم واسْتَبْدَلوهُ بِأَنْظِمةٍ وَقوانينَ بَشَريَّةٍ خَاطِئةٍ، فَلمَّا اسْتَبْدلوا الّذي هوَ أَدْنَى بالذي هو خَيْرٌ أذاقَهُمُ اللهُ مِن العذابِ الأدنى دونَ العذابِ الأكبر {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} قَدَّسُوا رَأيَهم وَرَجَّحُوهُ على حُكمِ الله {وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} أفَرَغِبوا عَن حُكمِ اللهِ وهو خيرُ الحاكمينَ {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} أَلمْ يقرؤوا قولَ الله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.

  ثَلاثَةُ أحكامٍ: كُفرٌ وَظُلمٌ وَفِسْقٌ تَوالَتْ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِحُكمِ الله.

  هكذا يَكونُ الشقاءُ وهكذا يَفعلُ الجَهْلُ بِأهلِهِ، وما عُصِىَ اللهُ بِأعظمَ من الجهلِ، أَيَظُنُّ هَؤلاءِ أَنَّ فِي أَحكامِ اللهِ قَسْوةً أو ظلماً حتى استَبْدَلُوها بقوانينٍَ غربيةٍ وأحكامٍ بَشَرِيَّةٍ وَضْعِيّة.

  فَعُطِّلَتْ حُدودُ اللهِ وَانْتُهِكَتْ مَحَارِمُه واللهُ يقول: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ}، ولكنَّه العَمَى والخُسْرَانُ والضَّلالُ البعيدُ {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً