الخطبة الأولى
  وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[النحل ١٧٨].
  وَمَهما بلغَ الإنسانُ مِنْ العلمِ والمعرفةِ فَما زَالَ جَاهِلاً في جَنبِ عِلمِ اللهِ القائل: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً}[الإسراء ٨٥]، وكلُّ مُتعلِّمٍ وَفوقَه مَنْ هُو أَكثرُ مِنه عِلْماً، وَأَوْفرُ فِقْهاً وفَهماً {وَفَوقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٍ}[يوسُف ٧٦].
  فَعَلينا عبادَ اللهِ بِالاستماعِ والإِنصاتِ، وخَاصةً في خُطبةِ الجُمْعَةِ، فَإِنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ إِلَّا لِتَعلِيمِ النَّاسِ أمورَ دينِهم وآخرتِهم. وَحَقٌّ على كلِّ مَن حَضَرَ الجُمعةَ أو مَجْلِسَ ذِكْرٍ أَنْ لَا يَخرُجَ مِنه إِلّا بِفَائدَةٍ تَعودُ عليه بِالخير في دِينهِ ودُنياه، لِيدخُلَ فِي بَشارةَ اللهِ القائل {فَبَشِّرْ عِبَادِ ١٧ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ١٨}[الزمر]، وَحَديثُنا اليومَ سَيكونُ عن حرمةِ المساجدِ ومَكَانتِها فِي حياةِ المؤمن.
  عِبادَ الله:
  إِنّنا في هذا المكانِ في مقامٍ شريفٍ، في بُقعةٍ مُباركةٍ، في بيتٍ مُقدَّسٍ، شَرَّفَهُ اللهُ وَعظَّمَه، إِنّنَا في بيتٍ من بُيُوتِ الله، والمسجدُ ليسَ كغيرهِ من البُيُوت، بل هو مِن شَعائرِ اللهِ ومُقَدَّسَاتِه الّتِي اخْتَصَّها بِالفضلِ، وَرفعَ مِن شَأنِها، وَأَمَرَنَا بِتَقدِيْسِها وتَعظِيمِها قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحج ١٣٢]، فَمَنْ حافظَ عليها وحَفِظَها، وَشَارَك في عِمارَتِها وبِنائِها نَالَ مِن اللهِ الفضلَ، ودَخَلَ في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}[التوبة ١٨].
  أَلَا وَمَن عَظَّمَها، فَقدْ عَظَّمَ مَا عَظَّمَ اللهُ، وأولئكَ مِن المُتقينَ الذين وعدهم اللهُ بالخيرِ كما قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ}[الحج ٣٠].
  أَمَّا مَنْ تَهاونَ بِها وَدَنَّسَها، وَضَيَّع حُقُوقَها فَقدْ بَرَز لِمُحاربةِ الله، وهَدَمَ مَا أمرَ اللهُ بِه أنْ يُرفعَ، وعليهِ مِن اللهِ السخط، ومَا لَهُ مِن اللهِ مِن نصيرٍ.