الخطبة الأولى
  عبادَ الله:
  إِنَّ اللهَ قد جعلَ له بُيوتاً اخْتَصَّها، وجَعلَها مَقَرًّا لِعبادتهِ وطاعتهِ، وَأَمَرَ بِصَونِها وَالمُحافَظَةِ عليها، ولمْ يَأْذَنْ فِيها بِأيِّ فِعلٍ يُخالِفُ طاعتَه قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً}[سورة الجن ١٨].
  فالمساجِدُ هي للهِ خاصةً، ليس لِأحدٍ فيها حقٌّ، ولا يجوزُ فِيها إِلّا ما كانَ لِلهِ إلَّا الطاعاتِ غَالباً.
  حَتى المباحُ الذي لا إِثمَ فيه لا يَجوزُ في المساجدِ نحو الكلامِ في أمورِ الدنيا لِقوله ÷: «الكلامُ في المساجدِ يأكلُ الحسناتِ كما تأكلُ النارُ الحطبَ».
  وكذا النومُ في المساجدِ لا يَجوزُ لِغيرِ المُعتكفِ ونحوه، لقوله ÷: «لا تبيتوا في المسجد فتحتلموا».
  وَأيضاً فإنَّ مِن المنَاهِي التي لَا تَحلُّ في المسجدِ البيعَ والشراءَ، وَلَو قطعةً من سواك، وكذا لا يَحلُّ لِأحدٍ أنْ يَسألَ عَن ضائعةٍ في المسجدِ؛ فَفِيما يُروَى عنه ÷ أنه قال: «إذا رأيتم مَنْ يبيعُ أو يبتاعُ في المسجدِ فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من يَنْشُدُ عن ضالَّةٍ - أي: يسألُ عن ضائعتِهِ - فقولوا: لا ردها اللهُ عليك».
  عبادَ الله:
  إِنَّ لِكلِّ إنسانٍ بَيتاً ولِكُلِّ بَيتٍ حُرمتَه، فكيفَ بِمن يَتأدبُ في بيوتِ المخلوقين، ولا يتأدبُ في بيتِ الخالقِ ø؟ إِنَّ المساجدَ هي بيوتُ اللهِ وحُرَمُهُ، ولها حقوقٌ وواجباتٌ، فَعلينَا أنْ نُعطيَها حقَّها، وأنْ نُوفّيَها نصيبَها مِن التّشريفِ والتّعظيمِ. كما قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}.] النور ٣٦، ٣٧].