الخطبة الأولى
  عبادَ الله:
  أنتم الآنَ في بيتٍ مُقَدَّسٍ شَرَّفَه اللهُ وَعَظَّمَه، وليسَتْ كَغَيْرِها مِن الأَمَاكِن، ولِلمسَاجِدِ حُقوقٌ مَنْسِيّهٌ غَفَلَ عنها كثيرٌ من الناسِ، وتهاونُوا بِواجبِهم نحوَها.
  عَمَرُوا بيوتَهم، وهَدَمُوا بيوتَ اللهِ، حَافَظُوا على بيُوتِهم وصَانُوها، وتَهاونُوا بِبُيوتِ اللهِ وَأَهْمَلُوهَا.
  فَمِنْ هذهِ الحقوقِ: أنّه لا تَجوزُ في المسجدِ التهويةُ، ولا أن تَرميَ فِيه بشيءٍ، ولا أنْ تبصُقَ مِن بَابِه أَوْ مِن نَوافِذِه، ولا يَجُوزُ تَعليقُ شَيْءٍ في سَقْفِهِ أَوْ جُدْرَانِه إِلا إِذَا كَان لِصالحِ المسجدِ ومَنفعتهِ، وإِذا اشْتريْتَ شيئًا بمالك ونَويتَ بِه لِلمسجدِ فَلا يَصحُّ لك أنْ تَأخذَه وَلَوِ اسْتغنَى عنهُ المسجدُ. ولا يجوز أخذ شيء من أملاك المسجد واستعماله في غيره ولا إخراجه منه؛ لأن كل ذلك قد صار موقوفًا عليه، وعلى من استعمله الأجرة للمسجد.
  وَأمَّا حُكمُ مَن يُدَنِّسُ فِراشَ المسجدِ، أو يُنَجِّسُ فراشَه أو يُحرقُه، أو يَعْبَثُ بِأَجْهزتِه، أَوْ نحوِ ذلك، فَواجبٌ عليه إِصلاحُ ما أَفسدَ، وإبْدَالُ ما أتلفَه، وتَنظيفُ ما نَجَّسَه أوْ لَوّثَه، ولكنْ كُلُّ ذلك بِإذنِ الوَلِيِّ لِلمسجدِ والْقَيِّمِ عليه.
  وعَليه أَرْشُ النَّقصِ فِي كُلِّ ذلك بِما قَدَّرَه عَدلانِ، فَهذِهِ هِيَ بَعضُ الحقوقِ.
  فَأينَ نحنُ - عبادَ اللهِ - مِن هذه الحقوقِ؟ وأينَ نحنُ مِن حُرمَةِ المساجدِ وفَضْلِها؟ وَأَنَا عِندما أقولُ هذا فَأنَا لَا أُبَالِغُ وَلا أُزَايدُ في بَيتٍ هو لِلهِ، فَمهمَا قُلنا، ومَهمَا ذَكرنَا مِن حُقوقِ المساجدِ فَما زِلنا مُقَصِّرِين، ومُفَرِّطينَ فيها، ولَنْ نُوفِّيَها مَا تَستحِقُّه مِن العنايةِ، والاهتمامِ الذي أَلزَمنا اللهُ أنْ نُوليَها بقوله: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}[النور ٣٦] فقولُه: {أَنْ تُرْفَعَ} أَمرٌ مِن اللهِ بِأنْ تُعظَّمَ وتُكَرَّمَ وتُقدَّسَ بما يليق بمقامِ صاحبِها ﷻ.
  فاللهُ سبحانَه قد حَرَّمَ على الْجُنُبِ دخولَ المساجدِ، وحَرَّمَ على الكافرِ أَنْ يَقْربَها، بَل لَقد وَرَدَ النَّهيُ عن دُخولِ المسجدِ في حَقِّ مَنْ أَكَلَ مِن البقل كالثُّومِ