سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 32 - الجزء 2

  وَالبَصَلِ وَنحوِهما؛ لِما تجلبه من الروائح الكريهة التي تسبب الأذى لِلغيرِ، روى الإمام زيدٌ، عن آبائه أن الرسول ÷ قال: «مَنْ أكلَ مِن هذه البقلةِ فلا يقربَنَّ مَسجدَنا» قالَ ذلك عندما دخلَ رجلٌ المسجدَ وقد أكلَ الثومَ.

  فَأينَ مَن يدخلُ المسجدَ بِثيابِ العملِ، بِعَرَقِها وغُبَارِها وَوَسَاخَتِها مِن هذا الحديثِ؟ ومِن قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}⁣[الأعراف ٣١].

  أينَ الذين حَوَّلُوا المساجِدَ إِلى دُورِ حَضَانَةٍ، يَلْهُو فِيها أَطفَالُهم، ويَلْعبُون، كَأَنَّهم في حديقةٍ أوْ مَلْهَى؟.

  مَعاشِرَ الآباءِ، إِنَّنَا لا نَعتَرِضُ عَلى طِفْلٍ مُمَيِّزٍ يُفَرِّقُ بَين النَّجَاسَةِ وَغَيْرِها، أنْ يحضُرَ المسجدَ مُتأدِّباً لِيتَعلَّمَ الصلاةَ والقرآنَ، وَلكِنَّنَا نَشكُو مِمّنْ لَا يُمَيِّزُ وَلا يَعِي، فَهو إِنْ لم يُنَجِّسْ فَلا أَقَلَّ مِن أَنْ يَلْعَبَ وَيَلْهُوَ فَيَشْغَلَ المُصلين، ويُغالِطَ عليهم صلاتَهم، بل لقد نَهى النبيُّ ÷ عَن كُلِّ مَا يَشغَلُ المُصَلِّيَ عن صلاتِه، ولَو بِقِرَاءَةِ القرآنِ، حيثُ قال: «لا يشغلنَّ قارِئُكم مصليَكم» فَما بَالُك بِلعبِ الأطفالِ وَعَبَثِهم، والأَعْظَمُ مِن كُلِّ هذا أَنْ تُصْبِحَ هذهِ سَجيةً وعادةً على الدّوامِ، ولَيسَتْ مُجَرَّدُ غَلْطَةٍ وَقَعتْ مرةً واحدةً بِدون قَصْدٍ.

  عبادَ الله:

  يَجبُ أَنْ نعيَ أوامرَ اللهِ وأنْ نُطَبِّقَ أحكامَه كما يجب، وأنْ نُقِيمَ حدودَه، ونُعَظِّمَ شَعَائِرَهُ تعالى، امْتثالاً لِقوله ø: {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ}⁣[الحج ٣٠].

  لا بُدَّ أنْ نفهمَ أَنّنَا هنا في بيتٍ أُسِّسَ على التّقوى، بيتٍ لا كَسائِرِ البيوتِ، إنَّه بيتُ اللهِ العزيزِ، بيتُ اللهِ العلي الجبَّار، الذي لا تُوازِيهِ عَظمةٌ.

  فإِذَا دخلتَ فيه، فَقَدْ حَلَلْتَ ضَيْفاً على اللهِ، أَنْتَ الآنَ هنا ضَيفُ اللهِ، ومِن واجبِ الضّيفِ أَنْ يَلْتَزِمَ بِآدَابِ الضِّيَافَةِ، عليه أنْ يَلتَزِمَ بِأخْلاقِ الضَّيفِ، وَيَسْتَضْيِفَ وَيَنْتَظِرَ الضيافةَ.