سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 77 - الجزء 2

  فَهَنِيْئاً لِلصَّائِمِينَ الْقَائِمينَ، بِذَلِكَ الْفوزِ العظيمِ، هَنِيئاً لِمنْ شَمَّرَ سَواعِدَهُ، وَأَعْطَى شَهرَ اللهِ حَقَّهُ، فَشَحَنَهُ بِالطَّاعَاتِ وَالْأَذكَارِ، وَقَامَ فِي ظُلَم اللَّيَالِي يُنَادِيَ في ظُلُماتِ الأسحارِ، يَسْألُ مِنَ اللهِ فِكَاكَ رَقَبَتِه مِن النَّارِ.

  عِبادَ اللهِ:

  لَقَدْ مَنّ اللهُ عَلَيْنَا بِمِنَّةٍ عَظِيمَةٍ، وَهِبَةٍ جَسِيمَةٍ، وَعَطايَا كَرِيمَةٍ اغْتَنَم فَضْلَهَا الصَّالِحُونَ، وَخَسِرَ ثَوَابَها الْمُبْعَدُون المُقَصِّرُون، وَلكِن مَا فَاتَ فَاتَ، وَلَا عِوضَ إِلّا بِما هُو آتٍ.

  فَمنْ نَالَ الرِّضَى فَلَهُ الرِّضَى، ويَسألُ مِن اللهِ السَّدادَ والْقبولَ، ومَنْ قَصَّرَ وَفرَّطَ فَلْيُعَوِّضْ خَسَارَتَه بِما هو آتٍ، فَبَابُ التَّوبَةِ مَا زَالَ مَفْتُوحاً عَلى مِصْرَاعَيهِ، وَنِدَاءُ اللهِ مَا زَالَ يَتَرَدَّدُ فِي الْكَونِ صَدَاه {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ٥٣ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ}

  مَا زَال بِوُسْعِ المُقَصِّرِ أَنْ يُعَوِّضَ خَسَارَتَهُ، وَيَتَدَارَكَ نَفْسَهُ بِالتَّوبةِ والإِنَابةِ، فَإِنَّ اللهَ يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبادِه وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ.

  مَعاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ:

  إِذَا كُنَّا قَدْ قَصَّرْنَا فِي شَهرِ رَمضانَ، وَرَأَيْنَا نَدَامَةَ التَّفْرِيطِ، فَلْنَتَذَكَّرْ نَدَامَةَ يَومِ الحسابِ، الَّذِي لا يَنْفَعُ فِيهِ نَدَمٌ وَلَا حَسْرَةٌ، يَومَ تُطْوَى الأَعمالُ، وَتُغلقُ أَبَوابُ التَّوبةِ، فَلا نَدَامَةَ تَنْفعُ، وَلَا شَفِيعَ يَشْفَعُ، وَلَا نَاصِرَ يَدْفَعُ.

  أَمَّا الْآنَ فَمَا زِلْنَا فِي دَارِ الخيارِ، وَ فِي دَارِ التَّزَوُّدِ والاعْتَذارِ، التوبةُ مَقْبُولَةٌ، وَالإِنَابةُ مَقْبُولَةٌ، فَيا مَنْ ضَيَّعَ شَهْرَ رَمَضَانَ فِي الَّلهْوِ وَالتَّرفِِ، وفَاتَتْهُ فُرصَةٌ هِي أَغْلَى مِن الدّنْيَا وَمَا فِيْها.

  فُتِّحَتْ له أَبوابُ السَّماءِ بِإجابَةِ الدُّعَاءِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَاخْتَارَ الغِنَاءَ، وَفُتِحْتْ أَبوابُ الرَّحَماتِ فَعزَفَ عَنْها، وعَكَفَ طُولَ لَيلِهِ عَلى السَّمَرِ وَالْحَلَقَاتِ.