الخطبة الأولى
  نَادَتْهُ الْمَلائِكةُ وَدَعَاهُ دَاعِي الحقِّ فَخَرَجَ مِن بُيوتِ اللهِ لِيَعْمُرَ الْأَسْوَاقَ، وَنَسِيَ نِدَاءَ رَبِّهِ، وَاشْتَغَلَ بِالَّلهْوِ مَعَ الْخَلْقِ.
  إِنَّها خَسَارَةٌ مَا أَعْظَمَهَا، وَجُرْحٌ لِا يَنْدَمِلُ، وَكَسرٌ لَا يَجْبُرُ، وَهذهِ هِي الْحَقِيْقَةُ، ومَعَ مَرَارَتِها فَبَابُ الرُّجُوعِ غَيرُ مُغْلَقٍ فِي وَجْهِ أَحَدٍ، ولَكِن على كُلِّ مَنْ قَصَّرَ وَعَلى كُلِّ مَنْ فَاتَتْهُ ضِيَافَةُ اللهِ الكُبْرَى ألَّا يَيْأَسَ مِنْ رَوْحِ اللهِ، إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَومُ الْكَافِرين.
  وَلِكنْ بِشَرِطِ التَّوبَةِ وَالنَّدَمِ، وَالرُّجُوعِ وَالاستغفارِ، فَالرَّحْمَةُ لَمْ تُغْلقْ أَبْوابُها بِغُرُوبِ شَمْسِ رَمَضَانَ، وَلَنْ تُغْلَقَ فِي وَجْهِ مَنْ رَجعَ إِلى رَبِّه حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِها.
  وَلكنّ اللهَ لا يَمُدُّ يَدَ الْعَفْوِ وَالصَّفْحِ إِلَّا لِمَنْ يَسْعَى إِلَيْها وَيَطْلُبُها، وَلَا يَهَبُ رَحْمَتَهُ إِلَّا لِمنْ يُجْهِدُ نَفْسَه فِي طَلَبِها.
  تَعْصِي الْإِلَهَ وِأَنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ ... هَذا مُحَالٌ فِي الْقِيَاسِ بَدِيْعُ
  لَوْ كَانَ حُبُّكَ صَادِقاً لَأَطْعَتَهُ ... إِنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيْعُ
  أَمَّا الْمُبْعَدُون الَّذِين فَاتَهم ذلِكَ الشَّهرُ الِعَظيمُ فَلمْ يَغْتَنِمُوه، وَالْمُقَصِّرُون الَّذِين عُرِضَتْ عَلَيِهم التِّجَارَةُ الرَّابِحَةُ الّتِيْ لَا تَبُورُ، فَأعرضوا عنها بِالْغَفْلَةِ وَاللَّهْوِ بِتجَارَةِ الدُّنيا الْفَانِيةِ، فَخَسِرُوا وَلَمْ يَرْبَحُوا، ثُمَّ أَتَى يَومُ الْجَائِزَةِ فَأَتَوا فِيهِ وَأَرَادُوه، وَتَرَكُوا كُلَّ عَمَلٍ يَشغَلُهُم عَنه، وَلَبِسُوا الْجَدِيدَ وَحَضَرُوا، يُرِيدُون الْفَوزَ بِجائِزَةِ شَهرٍ أَهْمَلُوهُ وَأَضَاعُوه، أُولَئِكَ لَيْسَ عِيْدُهم بِعِيدٍ، وَلَا فَرَحُهُم فِيهِ إِلَّا كَفَرحِ الْأَطْفَالِ بِالثَّوبِ الجَديدِ {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[التوبة ٨٢].
  تَرجُو النّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسَالِكَها ... إِنَّ السَّفِيْنَةَ لا تَجْرِي عَلَى الْيَبس
  عِبَادَ اللهِ:
  إِيَّاكُم وِالْكَسلَ عن الطَّاعةِ، إِيَّاكُم وَالتَّقْصِيرَ فِي العِبَادَةِ، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ