الخطبة الأولى
  أَخَذَ اللهُ أبناءَهُمْ وأَحِبَّاءَهُمْ فَصبرُوا واحتسبُوا وَقَالوْا إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِليْهِ رَاجِعوُنَ {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[البقرة ١٥٧]، سَلبَ اللهُ أَمْوَالَهُمْ وَأَمْلَاكَهُمْ فَرَضُوْا بِحُكْمِ اللهِ فِيْهِمْ وَصَبرُوا صَبراً جَميلاً وقالوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكْيِلُ.
  عِبادَ اللهِ:
  يَجِبُ أَنْ نَعِيَ وَنَفْهَمَ بِأَنَّنا عبيدٌ لِلهِ وَأَنَّ كُلَّ مَا بِأَيْدِيْنَا هُوَ مِلْكٌ لِلهِ وَلَيْسَ لَنَا إِلَّا مَا أَعْطَانَا اللهُ وَيَجِبُ أَنْ نُؤْمِنَ بِأَنَّنَا تَحتَ إِرَادَةِ رَبٍّ رَحِيْمٍ يَتَصَرَّفُ فِينَا كَيفَ يشاءُ، وَأَنَّ كُلَّ أَفْعَالِهِ - تعالى - أَفْعَالُ حِكْمَهٍ لا ظُلمَ فِيهَا وَلَا هَضْمَ، أَرَادَ اللهُ مِنْ وَرَائِهَا أَنْ يُؤَدِّبَنَا على تقصيرِنا ولنعتبرَ ونذكرَ مصيرَنا، ولنرضى ونصبرَ فيُثيبنا، ولنتوبَ فيغفرَ ذنوبَنا، وإذا لم نكن مِن التائبين فهو تعجيلُ عقوبةٍ، ولغيرنا عبرةٌ وموعظةٌ، وَهُوَ الْعَالِمُ بِمَا يُصْلِحُنَا والخبيرُ بِمَا فِيهِ نَفْعُنَا وَضُرُّنَا، وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ.
  عِبادَ اللهِ:
  إِنَّ مَا نَرَاهُ مِنَ البلاءِ فِيْ هَذِهِ الدُّنْيَا مِثْلَ الموتِ وَشِحَّةِ المَاءِ والْمَرضِ والْبَرْدِ وَالْغَيْثِ والصقيع وَمَا نَسْمَعُ عَنْهُ مِنْ زِلَازِلَ وَبَراكِينَ وَفَيَضَاناتٍ كُلُّ ذَلِكَ فِي ظَاهِرِهِ شَرٌّ وَضَرَرٌ وَلَكِنَّهُ فِي وَاقعِ الْأَمْرِ خَيرٌ وَنِعْمَةٌ نَحْنُ نَجْهَلُهَا، فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوْا شَيْئَاً وَهُوَ خَيرٌ لَكُمْ.
  لِأَنَّ اللهَ حَكِيْمٌ رَحَيْمٌ بِعِبَادِهِ يُرْيدُ لَهُمْ الخيرَ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَصَالِحِهِمْ منْ أَنْفُسِهِمْ وَكَمَا قَال تَعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة ١٨٥].
  وَقَدْ أَبَانَ اللهُ تَعَالَى لَنَا وَجْهَ الْحِكْمَةِ فِي بَعْضِ أَفْعَالِهِ كَمَا فِيْ قِصَّةِ مُوْسَى والْخِضرِ # حِينَ خَرَقَ السَّفِينَةَ وَقَتَلَ الغُلامَ وَبِنَى الجدارَ والتيْ اِسْتَنْكَرَها مُوْسى # لَمَّا رَأَى فِي ظَاهرِهَا مِنَ الشَّرِّ، فَلَمَّا أَعْلَمَهُ الْخَضِرُ # بِبَوَاطِنِهَا وما اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ حِكْمَةٍ - عَلِمَ أَنَّهَا كُلَّهَا خَيْرٌ، وَأَنَّ الخَضِرَ قَدْ أَحْسَنَ فِي فِعْلِهِ، وَلَمْ يُسِيِءْ.
  روي أن رجلًا له عدةُ بناتٍ رُزِقَ بنتًا فنظر جعفرُ الصادق التغيرَ في وجهِه