الخطبة الأولى
  وَالْكَبِيْرَةِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ ÷ كَانَ يَقُوْلُ: «أَلَا فَحَاسِبُوا أَنفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن، فوالذي نفسي بيده ما بعد الدنيا من دار، وما بعد الموت من مستعتب، فَإِنَّ فِيْ الْقِيَامَةِ خَمْسِيْنَ مَوْقِفاً، كُلُّ مَوْقِفٍ مَقَامَ أَلفِ سَنَةٍ» ثُمَّ تَلَى رَسُولُ اللّهِ ÷ هَذِهِ الآيَةَ: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ}.
  وَيَقُوْلَ الْمُصْطَفَى ÷: «لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ مَالِهِ فِيمَا أَنْفَقَهُ، وَمِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ، وَعَنْ حُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ».
  كَيْفَ بِكَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ المِسْكِيْنُ إِذَا وَقَفْتَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْحِسَابِ وَالنِّقَاشِ فِيْ هَذَا الْيَوْمِ العَظِيْمِ، وَقَدْ جَمَعَ اللهُ فِيْهِ الْأَوَّلِيْنَ وَالآخِرِيْنَ، وَجَوَارِحُكَ تَنْطِقُ عَلَيْكَ بِمَا عَمِلْتَ، {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}؟
  فَبَصَرُكَ يَشْهَدُ عَلَيْكَ بِمَا نَظَرْتَ بِهِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ، مِنَ النَّظَرِ إِلى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِيْنَ وَحُرَمِهِمْ، وَسَمْعُكَ يَشْهَدُ عَلَيْكَ بِمَا اسْتَمْعَتَ بِهِ مِنَ المُحَرَّمَاتِ، مِنِ اسْتِمَاعِ الَّلهْوِ، والْغِنَاءِ، وَالَّلعِبِ، وَلِسَانُكَ يَشْهَدُ عَلَيْكَ بِمَا آذَيْتَ بِهِ الْمُؤْمِنِيْنَ مِنَ الْغِيْبَةِ، وَالنَّمِيْمَةِ، وَالكَذِبِ، وَشَهَادَةِ الزُّوْرِ، وَسَبِّ الْمُؤْمِنِيْنَ وَشَتْمِهِمْ، وَيَدُكَ تَشْهَدُ عَلَيْكَ بِمَا ظَلَمْتَ بِهَا عِبَادَ اللهِ، وَكَتَبْتَ بِهَا مِنَ الزُّوْرِ، وَقَدَمُكَ يَشْهَدُ عَلَيْكَ بِمَا مَشَيْتَ بِهِ إِلى مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ١٩ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ٢٠ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢١ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ ٢٢ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ٢٣}.