سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 147 - الجزء 2

  نعم أيها الأخوةُ إنه يومٌ عظيمٌ ومخيفٌ ومفزعٌ، يومَ يقولُ المجرمُ فيه: {يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}.

  {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً}.

  {يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً}.

  يوم يقول فيه العاصي: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ٢٥ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ٢٦ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ٢٧ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ ٢٨ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ٢٩ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ٣٠ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ٣١ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ ٣٢}

  أيها الأخوةُ اعلموا أنَّ حالَ النارِ أعظمُ مِنْ أنْ يُوصفَ، وعذابُها أكبرُ من أن يُتَصَوَّرُ، فبينما أهلُ الإجرامٍ والآثامِ في أرضِ المحشرِ على ما أصابهم مِن تلك النكالاتِ إذ أحاطتْ بالمجرمين ظلماتٌ ذاتُ شعبٍ، وأظلَّتْ عليهم نارٌ ذات لهبٍ، وسمعوا لها زفيراً وجرجرةً تُفْصِحُ عن شدةِ الغيظِ والغضبِ، فعندَ ذلك أيقنَ المجرمونَ بالعطبِ، وَجَثَتِ الأممُ على الرُّكَبِ حتى خافَ المجرم من سوءِ المنقلِب، وخَرجَ المنادي من الزبانيةِ قائلاً: أينَ فلانُ بنُ فلانٍ المسوِّفُ نفسَه في الدنيا بطولِ الأملِ؟ المضيِّعُ عمرَهُ في سوءِ العملِ؟ فيُبادِرونَهُ بِمَقَامِعٍ من حديدٍ، ويستقبلونَهُ بِعَظائمِ التهديدِ، ويسوقونَهُ إلى العذابِ الشديدِ، وينكسونه في قعرِ الجحيمِ، ويقولون له متهكمين: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}.

  فيسكنونهم داراً ضيقةَ الأرجاءِ، مظلمةَ المسالكِ، كثيرةَ المهالكِ، شرُّها مستطرٌ، ومقامها خطيرٌ، يخلدُ فيها الأسيرُ، ويؤبدُ في السعيرِ، شرابُهم فيها الحميمُ، ومستقرُّهم الجحيمُ، الزبانيةُ تقْمَعُهم، والهاويةُ تجمعُهم، أمانيُّهم فيها