الخطبة الثانية
  في الموت
الخطبة الثانية
  
  الحمدُ للهِ ربَّ العالمينَ، الحمدُ للهِ القائمِ بنفسِهِ، الواحدِ العظيمِ في جلالِهِ وقدسِهِ، العليمِ بأحوالِ جنِّه وإنسِهِ، ومَنْ يؤمنْ باللهِ العظيمِ ويعملْ صالحاً يُدْخِلْهُ دارَ كرامتِهِ وأُنْسِهِ، ومَنْ أعْرَضَ وآثرَ الحياةَ الدنيا فَيُدْخِلْهُ دارَ نقمتِهِ وحبسِهِ، {فَأَمَّا مَن طَغَى ٣٧ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ٣٨ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ٣٩}.
  نحمدُهُ تعالى وهوَ الجوادُ الكريمُ، ونشكُرُهُ ø وهو المتفضلُ العظيمُ.
  وأشهدُ ألَّا إلهَ إلا اللّهُ العليُّ الكريمُ.
  وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهً ورسولُهُ، صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ الطاهرينَ.
  وبعد عباد الله:
  لا بدَّ لكلِّ إنسانٍ مِنْ أنْ يتَذَكَّرَ الآخرةَ عندَ الموتِ، ويتمنونَ أن تسنحَ لهم الفرصةُ لكي يعودوا ليعملوا من أجلِها، {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ}[إبراهيم ٤٤]، ولكن بعد فواتِ الأوانِ، فالذينَ يموتونَ لا يملكونَ وسيلةً لكي ينقلوا إلينا هذا الإيمانَ الذي يملِكُهم عندَ حلولِ الأجلِ، ونحنُ أيضًا لا نملكُ وسائلَ الاتصالِ بهم، وتَلَقِّي الأخبارَ عنهم بذلك، ولكننا نجدُ نموذجًا لهؤلاءِ الذين يُحْكَمُ عليهم بالإعدامِ، فلحظةُ الإعدامِ لا يشكُّ أحدٌ منهم وجودَ شيءٍ وراءَ حاجزِ الموتِ، وكثيرٌ منهم يتوبُ من ذنوبِهِ إذا أُتِيَحْت لَهُ الفرصةُ، وكلُّهم يندمونَ على ما فعلوه من معاصي اللهِ، وجميعُهم بعدَ الموتِ يرجونَ العودةَ إلي الدنيا لَعَلَّهُمْ يعملونَ الصالحاتِ، ولكن بعدَ فواتِ الأوانِ، والسؤالُ هو نحنُ الذين لا زلنا نملكُ الفرصةَ لماذا، لا نَسْتَغِلُّها؟
  يقولُ اللهُ في الحديثِ القدسي: «عجبتُ لمن أيقنَ بالموتِ كيفَ يفرحُ، ولمن