سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 172 - الجزء 2

  مَعْذِرَتُهم ولا هم يُسْتَعْتَبُونَ، {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ٣ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ٤ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ٥ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ٦ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ}

  فاليومُ الآخرُ أكبرُ مما ذكرنا، وأعظمُ شأنًا مما نتصورُ، وسوفَ نواجِهُهُ لا محالةَ، ولكنْ لا ينبغي أن ننتظرَ تلك الحسرةَ وأن نتهاونَ بالأمرِ حتى يقعَ الفأسُ بالرأس، ويقعُ ما لا يُحْمَدُ عُقْبَاهُ.

  نحنُ لا نخطبُ الجمعةَ من أجلِ أنْ نُصَلِّيَ فقط، لا يقتصر علمُنا على أن هذهِ الموعظةَ ليستْ إلا لأجلِ الصلاةِ، يجبُ أن نَعِيَ بأننا مهددون، واللهُ يَعِظُنا لِينبهَنا، لنعملَ لا لنخشعَ قليلًا ونبكيَ ثم ينتهي الأمرُ ونعودُ إلى ما كُنَّا عليهِ.

  واللهَ تعالى يقولُ: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} بل ويأمُرُنا بإعدادِ الوقايةِ لذلكَ اليومِ كما قال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}.

  ويقولُ الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: «حَاسِبُوا أنفسَكم قبلَ أنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوها قبلَ أنْ تُوزَنُوا».

  إنَّ على الإنسانِ أن يحسِبَ خراجَهُ في كلِّ سلعةٍ قبلَ أن يشترِيَها، ويعرفَ ربحَهُ مِن خسارتِهِ، فالمرءُ عليهِ أنْ يراجعَ حساباتِهِ، وينظرَ ما قَدَّمَ لآخرتِهِ، وما عليهِ مِن المظالمِ للخلقِ، وهلْ ما قَدَّمَهُ يكفي لأنْ يُوفِّيَ غُرماءَهُ، ويرجِّحَ كَفَّةَ ميزانِهِ؟ أم أنَّ عليه أنْ يزيدَ ويستكثرَ من الخيرِ.

  عباد الله:

  هناك رجالٌ أكياسٌ كما وصَفَهُم النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بقولِهِ: «الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالعَاجِزُ مَنِ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى الله ø».

  الأكياسُ الذين سَخَّرُوا حياتَهم من أجلِ تحصيلِ الزادِ، وتوفيرِ أرصدةٍ مِن الأجرِ في بنكِ الرحمنِ، لقد أصبحوا تجارًا وأصحابَ مراتبَ عليا، بينما نَجِدُ أننا ما زلنا في الحضيضِ، لا نملكُ إلا الشيءَ اليسيرَ من الثوابِ.