سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 173 - الجزء 2

  إنَّ تهاونَ الإنسانِ وغفلتَهُ يمكنُ أن يكونَ سببًا في هلاكِهُ، إن الإنسانَ المقصر لا يمكنُهُ بأيِّ وسيلةٍ أنْ ينقذ نفسَه أو يتداركَ خسارتَهُ في ذلك اليوم.

  فإذا كنا في الدنيا نخسرُ مرَّةً ونعوضُها ببيعةٍ أخرى، ونسددُ الدينَ مِن سِلْعةٍ ثانيةٍ - فإنَّ الخسارةَ في الأخرى تعني الإفلاسَ الذي لا سَدادَ لَهُ، ولا تعويضَ لخسارتِهِ، وليسَ لصاحبِهِ إلا النارُ، ولن يجدَ الإنسانُ أيَّ وسيلةٍ، لا تعاونٍ ولا مسامحةٍ ولا تَعَاطُفٍ ولا وسائطَ.

  {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ٢٣ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ٢٤ فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ٢٥ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ}.

  أمامُنا اليومَ فرصةٌ لأنْ نُصَفِّيَ حساباتِنا، ونُسددَ ما علينا من ديونٍ وحقوقٍ للناس، ولدينا ما نُوَفِّي بهِ ونَردُّهُ، ونتخلصُ بِهِ، في أيدينا الأموالُ نستطيعُ أن نُسددَ بها ما علينا، ولدينا ما لَهُ ثمنٌ وقيمةٌ يمكنُ أنْ نُعطيَها عوضًا عَمَّا علينا، وأما في اليومُ الآخرُ فلا ينفعُ فيه مالٌ ولا بنون، ولا يجزي ذهبٌ ولا فضةٌ، وكلُّ عملةٍ أو سلعةٍ لا يقبلها الغريمُ، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٣٦} {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ٨٨ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.

  يمكنُك اليومَ أنْ تتخلصَ مِن أرحامِك ومِن قرابَتِك، يمكنُك أنْ تتسامحَ ممن آذيْتَهُم، وممن اغتَبْتَهم وهَتَكْتَ أعراضَهم، اليومَ تستطيعُ أنْ تعتذرَ وتطلبَ العفوَ والصفحَ ممن ظلمتَهم، وتردَّ مَا أخذْتَ من حقوقِهم، وكلُّ إنسانٍ جاءَه أخوه يستعفيهِ، ويطلبُ مسامحتَهُ والعفوَ عنه فلنْ يَردَّهُ، بل وسوف يفرحُ بذلك.

  وقد رُوِيَ عنِ النبيِّ ÷ أنهُ قالَ: «مَنِ لم يقبل العذر من محق أو مبطل لا ورد عليَّ الحوضَ» رواه أبو طالب. وعن الإمام الحسين #: لو شتمني رجل في أذني اليمنى واعتذر في اليسرى لقبلت عذره. وعلى العمومِ فالناسُ اليومَ لهم اتساعٌ لبعضِهم البعضِ، وهم على استعدادٍ للتنازلِ عن حقوقِهم والعفوِ عمن