الخطبة الثانية
  أساءَ إليهم إذا جاءَهم مُعتذراً طالباً العفوَ والمسامحةَ، بل إنهم سيُقَدِّرون له موقفَه ويثنونَ عليهِ بفعلِه ذلك.
  وأما هناك فلا، لن يتنازلَ أحدٌ عن وزنِ ذرةٍ من حقوقِهِ، مهما كان الغريمُ، سواء أباه أو أخاه أو أمه أو أيَّ مخلوقٍ.
  هناك يحسُّ الإنسانُ بقيمةِ الثوابِ والأجرِ، ويحسِبُ للحسنةِ الواحدةِ ألفَ حسابٍ، قد بانَ عِزُّ الحسنةِ وظهرت قيمتُها، ولا يمكنُ أن يتنازلَ أحدٌ عنها.
  سوف يعضُّ كلُّ مقصرٍ يدَهُ ندمًا على ما فاتَهُ من الخيرِ والثوابِ العظيمِ، سيتذكرُ الإنسان ما سعى، سيتذكرُ ما قدَّمَ وما أَخَّرَ، وسوف يتحسرُ على الفرصِ التي فاتتْ عليه وكلَّ حسنةٍ فَرَّطَ فيها.
  تلك الحسناتُ التي نسمعُ بها اليومَ ولا نُلقي لها بالًا عندما نسمعُ بأن أجر الاستغفارَ بكذا وكذا، وأن مَن قال: «سبحان الله» كان لَهُ كذا وكذا، ومَن قرأَ سورةً من القرآن كان له كذا وكذا.
  سيتذكرُ المفلسُ والفقيرُ قيمةَ الصلاةِ في جماعةٍ وفضلَها، وأنها تعدل ثواب سبعين صلاة فرادى.
  سيتذكرُ المفلسُ قيمةَ الصلاةِ في وقتِها.
  سيتذكرُ الذي يتثاقلُ عن أداء ركعتينِ قيمتَها في الميزانِ يومَ القيامةِ.
  مرَّ الإمام علي # حين رجع من صفين على القبورِ بظاهرِ الكوفةِ فقال: «يَا أَهْلَ الدِّيَارِ الْمُوحِشَةِ، وَالْمَحَالِّ الْمُقْفِرَةِ، وَالْقُبُورِ الْمُظْلِمَةِ، يَا أَهْلَ التُّرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْغُرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْدَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْشَةِ، أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ سَابِقٌ، وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ لَاحِقٌ، أَمَّا الدُّورُ فَقَدْ سُكِنَتْ، وَأَمَّا الاَزْوَاجُ فَقَدْ نُكِحَتْ، وَأَمَّا الاَمْوَالُ فَقَدْ قُسِمَتْ. هذَا خَبَرُ مَا عِنْدَنَا، فَمَا خَبَرُ مَا عِنْدَكُمْ؟
  ثم التفتَ إِلى أَصحابِهِ فقالَ: أَمَا لَوْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْكَلَامِ لأَخْبَرُوكُمْ أَنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى).