الخطبة الأولى
  ثمرةٍ نطفئُ بها لهيبَ الجوعِ في أجوافِنا فيردون عليهم: {إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} ويصورُ القرآنُ إطلاعَ الصاحبِ المؤمنِ على صاحبِهِ من قرناءِ السوءِ الذي كان يحاولُ في الدنيا إغواءَه لولا أن لطفَ اللهُ به وتداركَهُ بلطفِهِ وذلك قولُ اللهِ: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ ٥٥ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ ٥٦ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}
  عباد الله
  إنَّ يومَ القيامةِ هو يومُ الحسراتِ يومُ التغابنِ يومُ الجزاءِ والحسابِ وردِّ المظالمِ وفصلِ الخصوماتِ، في اليومِ الآخرِ تنقلبُ الموازينُ، فالخائفُ في الدنيا سيأمنُ، والتاعبُ سيرتاحُ، والظالمُ سيعذبُ، والمظلومُ سينتصرُ، إنه يومُ الفصلِ وما أدراكَ ما يومُ الفصلِ؛ يومُ العدالةِ أمامَ محكمةِ العدلِ الكبرى التي شعارُها {لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ} لقد حانَ وقتُ القصاصِ ودقتْ ساعةُ الانتقامِ، لقد آنَ الأوانُ لأولئكَ المؤمنينَ المستضعفينَ الذين كانوا يقطعون الليلَ بالبكاءِ والعويلِ من فداحةِ ظلمِ المستكبرينَ الذين كانوا يُذيقونهم الويلَ والهوانَ، ويسومونهم سوءَ العذابِ، آنَ الأوانُ لتلكَ البطونِ التي امتلأتْ بأموالِ الضعفاءِ والمساكينِ أن تجوعَ بين مقطعاتِ النيرانِ، وأن تُملأَ بالقيحِ والصديدِ، آنَ لأولئكَ المساكينِ الذين كانوا يتلوون جوعًا في الدنيا أن يأكلوا مما تشتهيه الأنفسُ، وأن يمنعوا منها أولئك الذين شبعوا في الدنيا ونسوهم.
  آنَ الأوانُ لتلك الأفواهِ التي كُمِّمَتْ في الدنيا، والألسنِ التي مُنِعَتْ من قولِ الحقِّ أن تصرخَ وتصيحَ في وجوهِ الظلمةِ والمستكبرين، وأن تطالبَ بكاملِ حقوقِها وترفعَ شكواها إلى العدلِ الحكيمِ والجبارِ المنتقمِ ليأخذَ لها حقَّها ويشفي غليلَ صدورِهم من كلِّ متكبرٍ لا يؤمنُ بيومِ الحسابِ، لقد انقلبتْ الموازينُ وتغيرتِ الأحوالُ وارتفعَ الذليلُ وأهينَ العزيزُ، إنها الواقعةُ الخافضةُ الرافعةُ، فالذين كانوا يضحكون ويسخرون من المؤمنين في الدنيا بالأمسِ