سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 198 - الجزء 2

  العبدُ مصيرَهُ هو على فراشِ الموتِ، يعلمُ ذلك وهو لا يزالُ بين أهلِهِ قبلَ أن يغادرَ مطارَ الدنيا إلى رحابِ الحياةِ الخالدةِ الدائمةِ، فإما أن يكونَ من الفائزين الذين لهم البشرى في الحياةِ الدنيا وفي الآخرةِ من {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.

  وإما أن يكون من العصاةِ المذنبين والظلمةِ المستكبرين الذين لهم بشرى السوءِ وعذابِ الهونِ {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ۝ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} وقال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} عندها يبشرونهم بالعذابِ والخزي الدائمِ {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ} هكذا اقتضتْ عدالةُ اللهِ أنْ يتجرعَ العصاةُ الندامةَ وهم أحياءُ على فراشِ الموتِ جزاءً على أعمالِهم وما بعدَ الموتِ أشدُّ وأعظمُ، فيالها من حسرةٍ، وحسرةٌ أعظمُ أن ترى أهلَكَ وأبناءَك قد فازوا برضوانِ اللهِ وخسرتَ أنتْ، وحسرةٌ أخرى أن يأتيَ يومَ القيامةِ ويلقى الرجلُ زوجتَهُ التي عاشرَها في الدنيا وقد كُتِبَ اسمُها في عليينَ واسمُهُ في سِجِّينٍ، ما أشدَّها مِن حسرةٍ وما أفظعَها من ندامةٍ أن يُفَرَّقَ بين الضالِّ وزوجتِهِ الصالحةِ وأبنائِهِ الصالحين، هذا في نعيمٍ وذاك في حميمٍ، وكيف يهنأُ بالنعيمِ مَن أمُّهُ تُسحبُ في الحميمِ، من يرضى بجنةِ المأوى وأبناؤه بين دركاتِ لظى يصرخون.

  ما أجملها من حياةٍ وما أسعدَ المؤمنين أن يجتمعوا في رضوانِ اللهِ على سُرُرٍ متقابلينَ كما قالَ تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}.