الخطبة الثانية
الخطبة الثانية
  على أرض المحشر
  
  الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، مالكِ يومِ الدين، القاضي بين الخصومِ والقائمِ بالقسطِ، جعلَ النارَ حبساً لمنْ خالفَه وعصاه، وأَعَدَّ الجنةَ لمنْ أطاعَهُ واتقاه.
  ونشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الديانُ، ربُّ الأربابِ، ومالكُ الرقابِ، إليه المردُّ والمآبُ، في يومِ الحشرِ والحسابِ.
  ونشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، الذي جاءَ بالدلالةِ، وبلَّغَ الرسالةَ، وقامَ بأمرِ اللهِ حتى أتاهُ اليقينُ، فصلواتُ اللهِ عليهِ وعلى عترتِهِ المنجزين وعدَه، والقائمين بأمرِ الدينِ مِنْ بَعْدَه، وسلَّم تسليماً كثيراً.
  أما بعد، عباد الله:
  إنَّ ما ذكرنا مِن أمرِ الآخرةِ ليسَ إلا طرفاً يسيراً وَرَاءَهُ ما هو أَشَدُّ، وأعظمُ وأدهى وأَمَر. وهو موقفُ الحسابِ للعبادِ على رؤوسِ الأشهادِ، يوم يَجمعُ اللهُ الخلائقَ في صعيدٍ واحدٍ، جِنَّهُم وإنْسَهُم وأوَّلَهُم وآخرَهُم، والطيرَ والوحوشَ والملائكةَ، يَنْفُذُهُمُ البصرُ ويسمَعُهُمُ الداعي {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ} {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} يومَ يُدْعَي بالعبدِ أَيْنَ فلانُ بنُ فلانٍ ليبرزْ إلى منصَّةِ الحسابِ، على مَرْأى ومَسْمَعٍ من الخلائقِ أجمعين، {لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ ١٥ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ}.
  فيبرزَ العبدُ حافيَ القدمين، شاخصَ البصرِ، ذابلَ الشفتين، جائعَ البطنِ، شاحبَ الوجهِ، وبرزوا لله الواحد القهار.
  مَوقفٌ تنهدُّ لَهُ الجبالُ الرواسي، ويلينُ لهولِهِ كلُّ رَطْبٍ ويابسٍ، ليقفَ في مواجهةِ صحيفةِ أعمالِهِ، وقفوهم إنهم مسؤولون.