الخطبة الثانية
  من يطيقُ الإنكارَ والأعضاءُ عليهم شاهدةٌ، ومن يسعُه الإقرارُ والحبسُ النارُ، ومن يملكُ الاعتذارَ على مَرْأى ومَسْمَعِ الأملاكِ والرسلِ والمقربين، والإنس والجنة محضرين. إن كذبَ نطقتْ الأعضاءُ والجوارحُ، وإن سكتَ شهدتْ بالسوءاتِ والفضائحِ {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
  كيف ينكرُ والكتبُ بما قدَّمَ وأخَّرَ محضرةٌ {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}.
  كيف ينكرُ والأرضُ عليه شاهدةٌ {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} كيف ينكرُ والملائكةُ عليه شهداءُ {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} {هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
  عبد الله:
  إنها مواقفُ تقفُ لها الهامُ، وتشيبُ لها الرؤوسُ، وتزهقُ لهولِهَا النفوسُ. فما أبشعَ أن يُنْشَرَ المطويُّ، وما أفظع أن ينكشفُ المستورُ يومَ العرضِ والنشورِ، على رؤوسِ الخلائقِ، والأنبياءُ والرسلُ ينظرونَ والأهلُ والشهودُ محضرون.
  وتنكشف الأستارُ، وتُعرضُ الأعمالُ على الأنظارِ، على شاشةِ العرضِ الإلهيةِ مُعمَّدةً موثقةً بالصوتِ والصورةِ وبكلِّ تفاصيلِ الجريمةِ أفلامٌ مصورةٌ تحكي الواقعَ كما هي، والناسُ ينظرونَ إليه، والملائكةُ يقولونَ: هذا فلانُ بنُ فلانةٍ الذي كنتم تقولونَ: إنه كذا وكذا، فانظروا ماذا كان يعمل، فيلعنه كلُّ مَن في المحشرِ ويتبرأُ منهُ كلُّ قريبٍ وبعيدٍ ولسانُ حالِهم: اللهم إنا نبرأُ إليكَ منه.
  إنها فضائحُ، لا يطيقُ اللسانُ وصفَها، ويكفيكَ مِن أنَّ صاحبَها يفضلُ لهيبَ النارِ عليها، أيُّ حسرةٍ أن ينكشفَ سترُهُ ويظهرَ مكنونُ سرِّهِ، أمامَ مَن كان