سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 213 - الجزء 2

  هلاكِهِم وخسرانِهم، ومنبعُ غوايتِهم، وقفَ يدافعُ عن نفسِهِ ويلقي بالذنبِ واللومِ عليهم، فلما زادَ خصامُهم وكَثُرَ لومُهم أرادَ أن يَفْصِلَ الخصامَ وأن ينهيَ الملامَ، فارتقى أعوادَ منبرِهِ، ليخطبَ فيهم خطبتَهُ الشيطانيةَ ليزيدَ القلوبَ حسرةً وأسىً، وضيقًا ويأسًا قائلا كما حكى الله عنه: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

  آهٍ مِن حسرةٍ عظيمةٍ، وطعنةٍ أليمةٍ لا يملكونَ أن يردُّوها، وقد قُضِيَ الأمرُ وفاتَ الأوانُ وانتهى الجدلُ وسكتَ الحوارُ.

  بعد بلاغِ هاتفِ الغوايةِ، وحادي الغواةِ، وخطبتِه الشيطانيةِ التي صبها على أوليائِهِ، نفضَ يدَهُ منهم، وهو الذي وعدَهم ومناهم، ووسوسَ لهم، وأمَّا الآن فلن يُلَبِّيَهم إنْ صرخوا ولنْ يُنْجِدَهم وإن ناحوا {وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً ١١٩ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً ١٢٠ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً ١٢١}

  لقد أوردَهم مع نفسِهِ المهالكَ وتركَهم في ظُلُماتٍ لا يُبْصِرون صمٌّ بُكمٌ عُميٌ فهم لا يرجعون.

  وفي النارِ هم يَختصمون، عندها تَذَكَّروا قولَ اللهِ {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} ذكروا تحذيرَ اللهِ، انتبهوا من غفلتِهم، ولكنْ بعدَ فواتِ الأوانِ وبعدَ انقضاءِ المدَّةِ {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}.

  عباد الله:

  إنَّ اللهَ أمرَكم بأمرٍ بَدَأَ فيهِ بنفسِهِ وَثَّنى بملائكتِهِ المسبحةِ بقدسِهِ وثَلَّثَ بِكم