الخطبة الأولى
  فيقولون: يا وليَّ الجبارِ، إن الملائكةَ يستأذنونَ عليك. فيقولُ: ائذنوا لهم، ثم تلا قولَه تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً} يعني تسليم الملائكة).
  وعن أنسِ بنِ مالكٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ÷: «يبعثُ اللهُ ø أهلَ الجنةِ على صورةِ آدمَ # في ميلادِ ثلاثٍ وثلاثينَ سنةً جردًا مردًا مكحلين ثم يذهبُ بهم إلى شجرةٍ في الجنةِ، ويلبسون منها ثيابًا خضراءَ، لا تبلى ثيابُهم، ولا يفنى شبابُهم، ولا تنومُ أعينُهم، لأنَّ النومَ أخُ الموتِ، وهم لا يموتون أبدًا، يسعى بين أيديهم غِلْمانُهم بالمجامرِ والأكوابِ، والأزواجِ على الأرائكِ ينظرونَ {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} وفي مثلِ هذا {فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ...}».
  عباد الله:
  إنَّ الجنةَ أكبرُ مما يتصورُهُ عقلٌ، وأعظمُ مما يتخيلُه الإنسانُ، فهي أعدتْ لتكونَ دارَ بقاءٍ وخلودٍ أبديٍّ، وزيَّنَها ربُّها ليُرَغِّبَ عبادَه فيها ويُشَوِّقُهم إليها فجعلَ كلَّ نعيمٍ سواها ناقصًا.
  وأعظمُ النعمِ هناك أن يغشى المؤمنَ فيه من المسرةِ والهناءِ ما لا يُوصَفُ ويذهبُ عنه الحزنُ والهمُّ والنكدُ، ويتخلى من مشاغلِ الدنيا وهمومِها.
  هناك يستطيعُ العبدُ المؤمنُ أن يمدَّ ظهرَه، ويسترخيَ على سريرِ مُلكِهِ وهو في أتمِّ نعمةٍ وعافيةٍ وأكملِ مسرةٍ، لا يخافُ ظلمًا ولا هضمًا، ولا يخشى عدوًا ولا حاسدَا، وهو مع ذلك قريرَ العينِ، آمنٌ من الفقرِ آمنٌ من المرضِ، ومن الوهنِ، آمنٌ من المشيبِ والكبرِ، آمنٌ من الموتِ والمصائبِ، هناك يمكنُ للمؤمنِ أن يرتاحَ ويطمئنَ ويفرحَ ويبتهجَ، وحق له ذلك فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون.
  هناك يتربَّعُ المؤمنونَ المستضعفونَ في الدنيا على أسرِّةٍ الملكِ ويلبسونَ التيجانَ والأساورَ، ويلبسونَ ثيابًا خضرًا من سندسٍ وإستبرقٍ، وحلوا أساورَ من فضةٍ.