سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 243 - الجزء 2

  تلك الملاذُ التي عزَّ وجودُها في الدنيا والتي حُرِمَها أكثرُ الناسِ اليومَ، أصبحتْ هناكَ أنهارًا متدفقةً تجري من تحتِ القصورِ من اللبنِ والخمرِ والعسلِ.

  أنهارٌ ليس لبنُها من بينِ فرثٍ ودمٍ ولا عسلُها من بطنِ حشرةٍ صغيرةٍ ولا خمرُها من ذلك النتنُ الذي يذهبُ بالعقولِ، بل إنها تتفجرُ من تحتِ جبالِ من المسكِ.

  إنها الجنةُ حوتْ كلَّ نعيمٍ، فيها الأشجارُ المتدليةُ والثمارُ اليانعةُ والفواكهُ المتنوعةُ.

  ثمرُها على الدوامِ {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} تشتهي الثمرةَ البعيدةَ فتتدلى بين يديك فتقطفُها، ويخلقُ اللهُ مكانَها غيرَها، وذلك قولُ اللهِ: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً} كلُّها يُؤكلُ ظاهرُها وباطنُها ليس فيها بذرٌ ولا قشرٌ ولا مخلفاتٌ ترميها على الأرضِ، لا ليس هناكَ براميلُ قمامةٍ ولا بلديةُ نظافةٍ كلُّ شيءٍ مُسْتَهْلَكٌ في الجنةِ.

  إنها الجنةُ ذلك المقرُّ الذي تتحققُ فيه كلُّ الأمنياتِ وتنالُ فيه كلُّ الرغائبِ، وفيها ما تشتهيه الأنفسُ، فقد روي أن الطيرَ ليمرُّ في الهواءِ فيشتهيه المؤمنُ فيخرُّ بين يديِهِ كما يشاءُ مطبوخًا أو محنوذاً أو مشوياً.

  إنها الجنةُ زَيَّنَها اللهُ بالحورِ العينِ المقصوراتِ في الخيامِ، كأنهنَّ الياقوتُ والمرجانُ، يمشينَ في درجاتِ الجنانِ، إذا اختالتْ إحداهنَّ في مشيِها حملَ أعطافَها سبعونَ ألفًا من الوِلدانِ، عليها مِن طرائفِ الحريرِ الأبيضِ ما تتحيرُ فيه الأبصارُ، مكللاتٍ بالتيجانِ المرصعةِ باللؤلؤِ والمرجانِ، أدنى لؤلؤةٍ على رأسِها تضيءُ ما بين المشرقِ والمغربِ، نصيفُها الذي على رأسِها (أي: تاجُها) خيرٌ من الدنيا وما فيها، إذا ضحكتْ أضاءتْ رحابُ الجنةِ من بريقِ ثناياها، يَرى الرجلُ وجهَهُ في خدِّها أصفى من الْمِرْآة.

  لو بَصَقَتْ في البحرِ المالحِ الأجاجِ لَعَذُبَ من طعمِ ريقِها، ولو طلعتْ إحداهنَّ على الدنيا لأكسفتْ بضوءِ الشمسِ، ولافتتنَ عليها أهلُ الأرضِ.