الخطبة الأولى
  عباد الله:
  هذا الخلقُ والإبداعُ في خلقِ الكونِ وفي حركاتِ الأفلاكِ ومساراتِ النجومِ، وفي تصريفِ الرياحِ، وتقلبِ الفصولِ، واختلافِ الليلِ والنهارِ، وغيرِ ذلك مِن الخلقِ البديعِ الجاري على سننٍ إلهيةٍ، وبدقةٍ متناهيةٍ منذ ملياراتِ السنين، بلا تصادُمٍ ولا اختلافٍ، ولا تغيرٍ ولا اختلالٍ، ولا اضطرابٍ.
  يطرحُ تساؤلاتٍ شتى ويثيرُ علاماتِ استفهامٍ حولَ هذا التناسقِ العجيبِ في خلقِ الكونِ ما السببُ في استمرارِهِ وبقائِهِ ملياراتِ السنين دونَ اختلالٍ أو اضطرابٍ.
  والجوابُ على ذلك أنَّ اللهَ أجرى هذا الكونَ وفقَ سننٍ إلهيةٍ وتدبيرٍ ربانيٍّ منسقٍ منظمٍ، مبنيًّا على الدقةِ في الصنعِ والإتقانِ في العملِ بعيداً عن الفوضى والإهمالِ، وهذا كان لَهُ أبلغَ الأثرِ في ذلك الشأنِ مع أمرٍ آخرَ وهو استجابةُ الكونِ وإذعانُ كلِّ هذه المخلوقاتِ لإرادةِ اللهِ وانقيادُها لمشيئتِهِ كما قالَ تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ١١ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}.
  كلُّ هذا يعلمُنا قيمةَ العملِ المنظمِ، والصنعِ المتقنِ الذي يثمرُ الدوامَ والاستمرارَ والاستقامةَ بعيداً عن العشوائيةِ التي لا تثمرُ إلا الدمارَ والفسادَ.
  عباد الله:
  مِنْ هنا نخرجُ بنتيجةٍ هامةٍ مَفَادُها أنَّ اللهَ سبحانَهُ وتعالى قد أرادَ مِنَّا أنْ نؤديَ أعمالَنا منظمةً متقنةَ وأنْ نحسنَ في أدائِها كما أحسنَ اللهُ في أفعالِهِ كما قالَ تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} وقال ÷: «إنَّ اللهَ يحبُّ إذا عملَ أحدٌكم عملاً أنْ يُتْقِنَهُ» فهذا أمرٌ، والأمرُ الآخرُ يكمنُ في الطاعةِ للهِ والانضباطِ