الخطبة الأولى
  لأمرِهِ، والاستقامةِ على نهجِهِ ووفقَ إرادتِهِ، كما استقامتِ النجومُ في أفلاكِها، والكواكبُ في مجاريها ومساراتِها بعيدًا عن العشوائيةِ والفوضى التي لا تورثُ إلا الدمارَ والفسادَ.
  لا بُدَّ لهذا الكائنِ الضعيفِ، والمتمردِ على أمرِ مولاهُ مِن أنْ يستقيمَ كما استقامَ غيرُهُ، وأنْ يُذعنَ للهِ بالطاعةِ، وينقادَ لأمرِهِ، أسوةً بغيرِهِ مِن الكائناتِ التي سَلَّمَتْ مقاليدَ أمرِهَا إلى اللهِ وامتثلتْ أمرَهُ، كما قالَ تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} أي: مطيعونَ لَهُ فيما أرادَ، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} وقال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً}.
  لا بُدَّ لابنِ آدمَ مِن أنْ يستقيمَ كما استقامَ الكونُ بما حَوَاهُ مِن سماءٍ وأرضٍ التي هي أعظمُ منْهُ، وأكبرُ خلقًا كما قالَ تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.
  لا ينبغي لهذا المخلوقِ الضعيفِ قليلِ الحيلةِ أنْ يستعصيَ، وهو العاقلُ المفكرُ، وقد أذعنَ مَنْ هو أكبرُ منهُ قدراً وأعظمُ شأناً، وأقوى بُنياناً.
  {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ٤٩ يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}
  كيف لابنِ آدمَ أنْ يتمردَ على مولاهُ ويعصيَ أمرَهُ وقد استقامَ هذا الكونُ بما فيهِ، وهو لم يخلقْ إلا لأجلِهِ كما قالَ تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً