سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 251 - الجزء 2

  تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ}، فقالَ جلَّ ذكرُهُ: {وَلا تَطْغَوْا} أي: لا تتجاوزوا حدودَ اللهِ، ثم نهاهُم عن الركونِ إلى الظالمِ والاعتمادِ عليهِ، لأنَّ ذلكَ مِن أسبابِ العذابِ والهزيمةِ، وقوله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} {وهو الذي أنزل الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}، وقوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.

  عباد الله:

  جعلَ اللهُ ابنَ آدمَ خليفةً في أرضِهِ، ووصيًّا على خلقِهِ ليقيمَ ما اعوجَّ مِن سلوكِ الآخرين وينشرَ دينَهُ، ويبسطَ العدلَ، ويقومَ بالقسطِ، ولكنه أظهرَ مِن الانحرافِ والاعوجاجِ ما يدعوهُ لأنْ يقيمَ نفسَهُ أولاً ويصلِحَها قبلَ أنْ يقيمَ غيرَهُ.

  أَلَا وإنَّ العلمَ والدينَ أعظمُ ما يقيمُ اعوجاجَ المرءِ ويصلحُ نفسَهُ ويزكيها، ويؤهلُهُ لأنْ يقودَ غيرَهُ، ويُنهيَ حياةَ الفوضى والهمجيةِ.

  ولهذا كانَ لا بُدَّ لِمَن يكونُ وصيًّا وخليفةً على هذا الخلقِ أنْ يكونَ مؤهلًا جديرًا بالقيادةِ والزعامةِ متمتعًا بكلِّ المؤهلاتِ، حاصلًا على شهادةٍ علميةٍ عُليا وإيمانٍ صادقٍ، وخلقٍ عالٍ، صدقٍ وأمانةٍ، ورحمةٍ وعفوٍ وتسامحٍ، وكرمٍ وحكمةٍ.

  ولنا أنْ نتأملَ في قصةِ خلقِ آدمَ # لنتعلمَ منها تلكَ الدروسَ العظيمةَ مِن خلالِ الحوارِ الذي ذكرَهُ اللهُ في القرآنِ، قالَ تعالى للملائكةِ: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}.