سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 254 - الجزء 2

  تجعلُهُ جديرًا بذلك المقامِ كما حكى اللهُ عنهُ ذلكَ بقولِهِ: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}.

  فأبرزَ صفتينِ تؤهلُهُ لذلك الأمرِ، وهما: (الأمانةُ والعلمُ)، ولم يقل: إني غنيٌّ أو قويٌّ أو ذو مالٍ.

  عبادَ الله:

  إنَّ العلمَ هو الخطُّ الفاصلُ بين حياةِ الفوضى والهمجيةِ وحياةِ السكينةِ والسلامِ.

  فالجهلُ هو مصدرُ الفوضى والاضطراباتِ والخصامِ والعدوانِ والهمجيةِ.

  وأيُّما مجتمعٍ فشا في أوساطِهِ الجهلُ وعَمَّتْ أهلَهُ الأميَّةُ وتَسَلَّطَ عليه الجَهَلَةُ فمصيرُهُ الفشلُ والدمارُ بسببِ النزاعِ والخصامِ، وسوفَ ينشأُ ذلك المجتمعُ على الفوضى والتعصباتِ والثاراتِ، وسوف يصبحُ أرضًا خصبةً لكلِّ خصلةٍ ذميمةٍ، تنمو فيهِ الأفكارُ المنحرفةُ والعاداتُ السيئةُ كالظلمِ والسرقةِ وسفكِ الدماءِ؛ إذ ليس هناك مِن ضابطٍ يقمعُ تلك النزواتِ العدوانيةِ والأخلاقِ الشيطانيةِ، وليس هناك ما يمنعُ أولئك الجهلةَ، ويردعُهم عن الظلمِ والفوضى والعبثِ، وروي عن زيد بن علي، عن آبائه $ أن النبيِّ ÷ قال: «إن الله تعالى لا يرفع العلم قبضًا يقبضه من الناس، ولكن يقبض العلماء بعلمهم»، وعنه: «ولكن يكون العالم في القبيلة فيموت فيذهب بعلمه، فيتخذ الناس رؤساءً جهالاً فيُسألون فيقولون بالرأي، ويتركون الآثار والسنن؛ فيضللون ويضلون، وعند ذلك هلكت هذه الأمة».

  فالجاهلُ ليس فيهِ ما يردعُهُ عن القبيحِ أو يحولُ بينَهُ وبينَ الفسادِ والخرابِ والدمارِ.

  فالجاهلُ يسعى لتحقيقِ مطالبِهِ، وإشباعِ رغباتِهِ مهما كَلَّفَهُ ذلك مِنْ ثمنٍ، وكيفما كانتِ النتائجُ، فهو يسعى لتحقيقِ هدفِهِ، ولا يلتفتُ لما يُخّلِّفُهُ وراءَهُ مِن