سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 256 - الجزء 2

الخطبة الثانية

  خلافة الله في الأرض

  

  الحمدُ للهِ الذي أحسنَ خلقَ الإنسانِ، وعدَّلَهُ، وألهمَهُ نورَ الإيمانِ فزَيَّنَهُ بِهِ وجَمَّلَهُ، وعلَّمَهُ البيانَ فقَدَّمَهُ بِهِ وفَضَّلَهُ، وأفاضَ على قلبِهِ خزائنَ العلومِ فأكْمَلَهُ، ثم أرسلَ عليهِ سِترًا مِن رحمتِهِ وأسبلَهُ، ثم أمَدَّهُ بلسانٍ يترجمُ بِهِ عما حواهُ القلبُ وَعَقَلَهُ، ويكشفُ عنهُ سترَهُ الذي أرسلَهُ، وأطلقَ الحقَّ مقوله وأفصحَ بالشكرِ عما أولاهُ وخَوَّلَهُ، من علمٍ حصَّلَهُ ونُطْقٍ سَهَّلَهُ.

  وأشهدُ أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له.

  وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ الذي أكرمَهُ وبجَّلَهُ، ونبيُّهُ الذي أرسلَهُ بكتابٍ أنزلَهُ، وأسمى فضلَهُ وبَيَّنَ سبلَهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ الطاهرين ما كَبَّرَ اللهَ عبدٌ وهلَّلَهُ، وسلَّم تسليماً كثيراً.

  أما بعدُ

  عبادَ الله:

  لقد اختارَ اللهُ تعالى آدمَ واصطفاهُ مِن خلقِهِ واجتباهُ ليكونَ خليفةً في الأرضِ، ووصيًّا عليها، لا ليفسدَ فيها ويهلكَ الحرثَ والنسلَ، ويقطعَ ما أمرَ اللهُ بِهِ أن يوصلَ، بل ليكونَ من المصلحينَ الذين يعمرونَ، ولا يهدمونَ، الذين يوفونَ بعهدِ اللهِ، ولا ينقضونَ الميثاقَ، والذين يصِلُونَ ما أمرَ اللهُ بهِ أنْ يوصلَ، ويخشونَ ربَّهُم، ويخافونَ سوءَ الحسابِ، الذين يهدونَ بالحقِّ وبهِ يعدلونَ، مِن الذين يأمرونَ بالعدلِ والإحسانِ، وينهونَ عن المنكرِ والبغي كما قال تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}.