الخطبة الأولى
  عبادَ الله:
  إن حياةَ رسولِ اللهِ خطبٌ جليلٌ وأمرُهُ هامٌّ وجديرٌ بالمتابعةِ والاطلاعٍ فأنا أنصح كلَّ مَن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ أن يتخذَ كتابًا فيه قصةُ الرسولِ ويقرأَهُ على نفسِهِ وأهلِهِ وأبنائِهِ، يعطرُ بِهِ لسانَهُ ويغسلُ بهِ دَرَنَ سمِعِه، يطردُ بهِ وساوسَ الشيطانِ من قلبِهِ وبيتِهِ، ليعرفَ قدرَ نبيَّهُ وعظيمَ منزلتِهِ، وما تحمَّلَهُ مِن مشقةٍ وعناءٍ في سبيلِ الدعوةِ كي يوصلَها إلى كلِّ دارٍ من دورِ المسلمين، وجديرٌ بنا أن نعلمَ أنَّ رسولَ اللهِ ÷ قد وَقَفَ موقفًا صعبًا وشديدًا، موقفًا تقفُ لَهُ الهامُ وتشيبُ لهُ الرؤوسُ، وتزهقُ لهولِهِ النفوسُ، إنه موقفُ تبليغِ الرسالةِ، إنه ثقلُ الدعوةِ وحملُ النبوةِ كما وَصَفَهُ اللهُ تعالى بقولِهِ: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً}، وَقَفَ ÷ وحيدًا، وقفَ ليواجِهَ العالمَ بأسرِهِ من أقصاهُ إلى أدناهُ، وقفَ ليواجهَ مَن تحتَ الخافقينِ، ليبلغَهم رسالةَ ربِّهِ، ليقولَ لهم: أنتم على خطإٍ وضلالٍ، وما تنحتونَ مِن الأحجارِ باطلٌ ومحالٌ، إنما تدعونَ مِن دونِ اللهِ شركًا وكفرًا بالعزيزِ المتعالِ، وقفَ ÷ يعلنُ الحربَ على أعظمِ مقدساتِ الجاهليةِ من الأحجارِ والأخشابِ التي يعبدونها من دونِ اللهِ، وقفَ يدعو إلى توحيدِ اللهِ وتقديسِهِ وتنزيهِهِ ونَبْذِ ما سواهُ من الجهالاتِ والضلالاتِ، وتَرْكِ ما في طياتِها مِن تماثيلَ وأصنامٍ وصورٍ وخرافاتٍ باطلةٍ ما أنزلَ اللهُ بها مِن سلطانٍ، إنَّ موقفَ الرسولِ ÷ صعبٌ وعظيمٌ، أنه يقفُ مواجهًا للعالمِ أجمعِ، وعلى كاهلِهِ حملُ أعباءِ الرسالةِ التي تنادي بإجلاءِ ما على وجهِ الأرضِ من كفرٍ وضلالٍ، وإبطالِ ما عليها من عبادةٍ لغيرِ الواحدِ الديان، إن الأمرَ الذي قامَ بهِ النبيُّ ÷ ليسَ كغيرِهِ من الأمورِ، أمرٌ لا تقوى الجبالُ الراسياتُ على حملِ ثقلِهِ، ولا تطيقُ صبرًا على مشقتِهِ، فعليكَ أنْ تَتَصَوَّرَ مدى صعوبةِ الموقفِ ومدى ثقلِ التكليفِ الذي تحمَّلَهُ محمدٌ ÷، شابٌ وحيدٌ ويتيمٌ وكذا فقيرٌ، وأَضِفْ إلى ذلكَ أنهم كانوا لا يخافونَهُ لأنه كانَ ذا خُلُقٍ عالٍ وقلبٍ رحيمٍ، كانوا لا يتقونَ شرَّهُ، ولا يخشونَ