سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 270 - الجزء 2

  والنهبُ، والظلمُ، والفسوقُ والفجورُ، وشربُ الخمورِ، استباحوا الزنا وأكلَ الربا، وأكلَ أموال اليتامى والمساكينِ، لعبوا الميسرَ، واتخذوا الأنصابَ والأزلامَ، واستحلوا الحرامَ، كثرَ فيهم إراقةُ الدماءِ، وهضمُ النساءِ وغيرُ ذلك من الموبقاتِ، فالقويُّ فيهم يأكلُ الضعيفَ، والكبيرُ يظلمُ الصغيرَ.

  ظلماتٌ وجهالاتٌ بعضُها فوقَ بعضٍ، شابَ فيها الصغيرُ، وماتَ عليها الكبيرُ، وليسَ هناك مَن يأمرُ بمعروفٍ أو ينهى عن منكرٍ، ليسَ هناك من يُعينُ ضعيفًا، أو ينصرُ مظلومًا، أو يَحِنُّ على سائلٍ أو محرومٍ في ذلك الزمنِ العصيبِ، وبين تلك الوحوشِ الضاريةِ.

  عبادَ الله:

  وُجِدَ خاتمُ الأنبياءِ والرسلِ ÷ في هذا المجتمعِ، نشأَ وترعرعَ وقلبُهُ يَتَقَطَّعُ ألَمًا وحسرةً على حالِ هذه الأمةِ حتى اختارَهُ اللهُ واصطفاهُ ليكونَ مُبَلِّغًا عنه ورسولاً منه إليهم ليكونَ عونًا للضعيفِ، ونصرةً للمظلومِ، مرشدًا للضالِّ، وقفَ ÷ بعدَ أنْ جاءَهُ الوحيُ مِن ربِّهِ يفكر ما يقولُ لساداتِ قريشٍ وزعماءِ العربِ وكبرائِها، كيف يبدأُ وبمن يبدأ؟ نظرَ إلى قومِهِ وعشيرتِهِ وإلى مَن ألزَمَهُ اللهُ بتبليغِ رسالتِهِ إليهم، إنهم ليسوا فرداً ولا عشيرةً ولا قبيلةً فحسب، إنه مُلزمٌ بتبليغِ الرسالةِ إلى العالمِ بأسرِهِ، عَرَبِهِ وعَجَمِهِ، إنه يواجهُ أُمَمًا صمًّا بكمًا عميًا، الكبرُ قد أعمى أبصارَهم، والغلظةُ والقسوةُ غطتْ على قلوبِهم، لا رحمةَ في قلوبِهم فمَن عانَدَهم وخالفَ أمرَهم بَطَشُوا بهِ، وسفكوا دَمَهُ واستباحوا عِرضَهُ وأخذوا مالَهُ، وسَبَوا نساءَهُ بلا شفقةٍ ولا رحمةٍ، نظرَ رسولُ اللهِ ÷ إلى قساوةِ قلوبِهم، وشدةِ بطشِهم وغرورِهم وكبريائِهم، ثم نظرَ إلى نفسِهِ وَتَلَفَّتَ حواليهِ فرأى نفسَهُ رجلًا فريدًا وحيدًا يتيمًا، لا أمَّ تحنوا عليهِ ولا أبَ يدفعُ عنه، فقيرًا لا يملكُ مِن الدنيا ولا مِن حطامِها ما يسدُّ به أفواهَ الحاسدين، ولا يجدُ