الخطبة الثانية
  لأهلِ بيتِهِ مِن بعدِهِ حُرمةً، بل جازَوهُ على معروفِهِ بهتكٍِ حرمتِهم والنيلِ من كرامتِهم من يومِ وفاتِهِ وإلى اليومِ، وهنا معلومة مهمة ينبغي أن تكون بذهن المؤمن، ألا وهي أن الذين كذبوا النبي وآذوه ورجموه وشتموه وأخرجوه ثم حاربوه هم الذين قاتلوا عليًّا وسبوه، وقاموا في وجه الحسن فسموه، وجيشوا ضد الحسين فقتلوه، وقتلوا زيدًا وصلبوه، إنهم قريش حكى الله عنهم أنهم لا يؤمنون، إلا من قد آمن منهم مائة وسبعون، والباقي فوق ثلاثة آلاف استسلموا يوم الفتح وكانوا قادة المعارك في بدر وما بعدها ثم لما تعذر عليهم قتال محمد وآله وأصحابه باسم الكفر قاتلوهم وقتلوهم باسم الدين ولو عرف المسلمون هذا ما اختلفوا، وها هو ÷ وبعدَ ألفٍ وأربعِ مئةِ سنةٍ من وفاتِهِ لم يَسْلَمْ عِرْضُهُ وحرمتُهُ من أَلْسِنَةِ الأرجاسِ والأدناسِ وأقلامِ أكثرِ الناسِ وعبدةِ الجبتِ والطاغوتِ من الدنمركيين والنرويجيين وولاتِهم مِن أذنابِ الكلابِ، فقد وصفوهُ بأبشعِ الأوصافِ، ورسموهُ بأَسْوَإِ الصورِ، ونسبوهُ زوراً وإفكاً إلى ما هو منه براءٌ، وما أرى كلَّ ذلك إلا بلاءً وامتحانًا لكلِّ مسلمٍ ينتسبُ إلى الإسلامِ، ويدَّعي موالاةَ خيرِ الأنامِ، لكن ومع بالغِ الأسى والحزنِ خابَ الأملُ، وذهبَ الرجاءُ، فالعجبُ كلُّ العجبِ من أمةٍ يُقدَّرُ عددُها بما يقاربُ مليارَ ومئتينِ مليونِ مسلمٍ منتشرينَ في أصقاعِ الأرضِ يدَّعون الإسلامَ والانتماءَ لرسولِ اللهِ ÷ ومع ذلك لم يُحرِّكوا ساكنًا، ولم يحوِّلوا ولم يبدِّلوا إلا السبَّ والتنديدَ والتحسرَ والانكسارَ فإنا للهِ وإنا إليهِ راجعون.
  أينَ هذه الأمةُ من أمةٍ كانت تقدسُ رسولَها وتحفظُهُ في محضرِهِ ومغيبِهِ؟ وكانوا يتبركونَ بآثارِ قدميهِ ويتسابقونَ على باقي فضلاتِ وضوئِهِ، كانوا يستشفونَ بريقِهِ وبصاقِهِ، ويتشرفونَ برؤيتِهِ ولمسِ جسدِهِ، حتى بلغَ بهم تشريفُهُ وتعظيمُهُ أنْ شربوا دمَ حجامتِهِ، وكانوا لا يتجاسرونَ أن يرفعوا أصواتَهم فوقَ