الخطبة الأولى
  الشعائرِ الدينيةِ، والمناسباتِ الإسلاميةِ التي أمَرَ اللهُ بتعظيمِها في قولِهِ عزَّ مِن قائلٍ: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}.
  ألا وإنَّ أقلَّ ما يمكنُ فعلُهُ لتعظيمِ تلكَ الشعيرةِ المباركةِ أن نفرحَ ونحتفلَ ونباركَ تلكَ الذكرى الخالدةَ، وذلكَ المولدَ الميمون، ونهنئَ أنفسَنا بتلكَ الهديةِ المباركةِ.
  ولدَ الهدى فالكائناتُ ضياءُ ... وفمُ الزمانِ تَبَسُّمٌ وثناءُ
  الروحُ والملأُ الملائكُ حولَهُ ... للدينِ والدنيا بهِ بشراءُ
  بك بَشَّرَ اللهُ السما فازَّيَّنَتْ ... وتعطرتْ مسكًا بِكَ الغبراءُ
  وكيف لا نفرحُ وقد أهدى اللهُ إلينا هذا المولودَ المباركَ الذي بفضلِهِ انقشعتْ سحائبُ الظلماتِ، وأشرقَ الوجودُ بنورِ الحقِّ والعدلِ، وجرتْ رياحُ الخيرِ والفضيلةِ، وانتشرَ الإسلامُ والسلامُ، وعَمَّ الخيرُ ربوعَ الكونِ، وأنارتْ مصابيحُ الهدايةِ في القلوبِ، وتحررتِ الأمةُ من قيودِ الرقِّ والعبوديةِ، وخرجتْ من سجونِ الظلمِ والضلالِ.
  أنارَ الكونَ حتى ضاقَ ذرعًا ... بهِ الظلماتُ واندَحَرَ الضلالُ
  فأيُّ نعمةٍ أعظمُ، وأيُّ هديةٍ أجلُّ وأعظمُ قداسةً وفضلًا من مولدٍ كان سبباً بفضلِهِ في نجاةِ الأمةِ، وبفضلِ مَقْدَمِهِ استنقذَ اللهُ بهِ أجيالاً كادتْ أنْ تكونَ مِن وقودِ النارِ.
  بل كيف نفرحُ ونحتفلُ بأعيادِ الانتصاراتِ والثوراتِ، ونمجدُ مناسباتِ الأعراسِ والزواجِ بالأفراحِ ولا نحتفلُ بعيدِ مولدِ أعظمِ شخصيةٍ عَرَفَها التاريخُ، وأفضلِ مولودٍ حملَهُ بطنٌ، وأظلَّهُ عَطْنٌ، الذي كانَ مولدُهُ أعظمَ ثورةٍ على الظلمِ والطغيانِ، وأعظمَ محرِّرٍ للبشريةِ من قيودِ الرقِّ والعبوديةِ، وحبائلِ الشركِ والوثنيةِ.