سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 280 - الجزء 2

  ضحكتْ لكَ الأيامُ يا عَلَمَ الهدى ... واستبشرتْ بقدومِكَ الأعوامُ

  وتوقفَ التاريخُ عندَكَ مذعنًا ... تملي عليه وصحبه الأقلامُ

  اضحك لأنك جئتَ بُشْرى للورى ... في راحتَيك السلمُ والإسلامُ

  اضحك فبعثتُكَ السعود وفجرها ... ميلاد جيل ما عليه ظلامُ

  أحبابَ الحبيبِ محمد:

  إنَّ مولدَ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ليس مجردَ ولادةِ طفلٍ خرجَ إلى الوجودِ مِن ظلماتِ الأرحامِ، بل إنه أكبرُ وأعظمُ من كلِّ ذلك.

  إنَّ مولدَهُ أعظمُ مِن ولادةِ فجرِ انبجستْ أنوارُهُ لتُمزقَ أستارَ الظلامِ، وتُبَدِّدَ ظلمةَ الليلِ الحالكةِ فتشرقَ شمسُهُ لتضيءَ الوجودَ وتنشرَ الدفءَ في الكونِ.

  إنَّ مولدَهُ أعظمُ شأنًا من ولادةِ عينٍ تنبعُ بالماءِ العذبِ الزلالِ وجَدَها أهلُ قافلةٍ في كبدِ الصحراءِ القاحلةِ وقد ظلَّتْ بهم الطريقُ، وتاهتْ بهمُ المسالكُ حتى نفدَ زادُهم واشتدَّ بهمُ الحرُّ والظمأُ حتى شارفوا على الهلاكِ لولا تلكَ العين.

  إنَّ مولدَ الرسولِ ÷ أعظمُ من كلِّ ذلك وأكبرُ مما هنالك.

  إنَّ مولدَهُ كانَ نبأً عظيمًا له ثقلُهُ، وصرخةً مدويةً ارتجتْ لها أرجاءُ الكونِ وعمَّتِْ الخلقَ كافةً، جِنَّهم وإنسَهم.

  إنَّ هذا المولدَ المباركَ كانَ يَتَرَقَّبُهُ أهلُ السماءِ قبلَ أهلِ الأرضِ، فلقد سَبَقَتْ بشائرُ وجودِهِ ولادتَهُ، وكانتِ الدنيا بما حوتْ مترقبةً تلك الساعةَ التي تُبَشِّرُ بولادتِهِ وخبرِ مَقْدَمِهِ المباركِ الميمونِ.

  لم يكنْ وجودُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مجردَ ولادةٍ طبيعيةٍ غيرِ مُتَوَقَّعَةٍ أتتْ على حينِ غفلةٍ، بل لقد كان صدى مولدِهِ قد ملأَ الآفاقَ وسارتْ به الرُّكبانُ، وملأتْ أخبارُهُ وأوصافُهُ الصحفَ والكتبَ السماويةَ، وأخبرتْ بهِ التوراةُ والإنجيلُ، وبَشَّرَتْ بهِ الأنبياءُ والرسلُ، وبَشَّرَ بهِ عيسى بنُ مريمَ # بقولِهِ تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ