الخطبة الأولى
  مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ}
  الله أكبرُ إنَّ دينَ محمدٍ ... من خيرِ أديانِ البريةِ دينا
  لا تُذْكَرُ الكتبُ السوالفُ عنده ... طَلَعَ الصباحُ فأطفأ القنديلا
  لقد كان مولدُ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ هو الأملُ الوحيدُ الذي تَعَلَّقَتْ بهِ الآمالُ، والموعدُ الذي استبشرَ به خيرًا المستضعفونَ والمظلومون.
  فلقد كان مولدُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ إيذانًا بولادةِ عهدٍ جديدٍ، وبدايةِ حياةٍ جديدةٍ، بل لقد وضعَ خروجُهُ إلى الدنيا حدًّا فاصلًا لحياةِ اللهوِ واللعبِ، ونقطةَ نهايةٍ للظلمِ والضلالِ.
  فكانت حياةُ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ إشراقةً لتاريخٍ جديدٍ، وبزوغَ فجرٍ أشرقتْ معه أرجاءُ الكونِ، وأضاءتْ أنوارُهُ الخافقينَ بالبشرى والسعادةِ.
  ولدَ الهدى فالكائناتُ ضياءُ ... وفمُ الزمانِ تَبَسُّمٌ وثناءُ
  يا خيرَ من جاء الوجود تحية ... من مرسلين إلى الهدى بك جاءوا
  فعلينا - أمةَ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ - أن نعيَ بأنَّ المولدَ النبويَّ الشريفَ كان نهايةً للفوضى والهمجيةِ، وبدايةَ ثورةٍ وظهورًا للخيرِ والفضيلةِ على الشرِّ والرذيلةِ، وانتصارًا للعدالةِ والمساواةِ على الظلمِ والجورِ والطغيانِ، فمولدُ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قد أحدثَ هزَّةً في الكونِ لم يعهدْ لها العالمُ من قبلُ مثيلا.
  وأحدثَ تَغَيُّرًا مفاجئًا، وصاحبَ ذلك كراماتٍ عجيبةٍ ارتجتْ لها أرجاءُ الكونِ، وطالَ صدى مولدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ حَدَّ المألوفِ وخرجَ عن طَوْقِ العادةِ.
  روى أهلُ السِّيَرِ في خبرِ مولدِهِ عن أمِّهِ آمنةَ أنها قالتْ بأنها حملتْهُ تسعةَ أشهرٍ لم يلحقْها تعبٌ ولا وجعٌ، ولم يأتِها ما يأتي النساءَ، ولم تشكُ وجعًا ولا ريحًا، ولا ما