سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 302 - الجزء 2

  وجعلوا من ذلك اليومِ يومَ عيدٍ يحتفلون به كما أخبرَ اللهُ عنهم بذلك في القرآنِ: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} وبهذا فقد أقرَّ اللهُ فعلَهم ولم ينهاهم عن ذلك.

  وكذا قومُ موسى # جعلوا من اليومِ الذي هلكَ فيه فرعونُ بالغرقِ يومَ عيدٍ يصومونه ويحتفلون فيه، وهو يومُ عاشوراء، وروي عن ابن عباس ® قالَ: قدِمَ النبيُّ ÷ المدينةَ فرأى اليهودَ تصومُ يومَ عاشوراءَ، فقالَ: «ما هذا؟»، قالوا: هذا يومٌ صالحٌ، هذا يومٌ نجى اللهُ بني إسرائيلَ من عدوِّهم فصَامَهُ موسى، قالَ: «فأنا أحقُّ بموسى منكم، فصامَهُ وأمَرَ بصيامِهِ».

  فلماذا لا يكونُ يومَ وجودِ رسولِ اللهِ وخروجِهِ إلى هذه الدنيا عيداً نفرحُ بهِ ونسعدُ؟

  ولقد جعلَ نبيُّ اللهِ إبراهيمُ # من اليومِ الذي نجا فيه إسماعيلُ من الذبحِ يومَ عيدٍ ينحرُ فيهِ القرابينَ والأضاحي شكرًا للهِ، وما زالَ ذلك سُنَّةً حتى يومِنا هذا.

  أفلا يكونُ يومَ مولدِ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ يومَ عيدٍ نفرحُ ونحتفلُ بنجاةِ أجيالٍ من الضلالِ واستنقاذِهم من الهلكةِ في النارِ.

  أحبابَ الحبيبِ محمدٍ:

  إننا عندما نحتفلُ بمولدِ النبيِّ الأكرمِ فنحن إنما نسعى لتذكيرِ الأمةِ والأجيالِ المتعاقبةِ بنعمةٍ هي مِن أجلِّ النعمِ التي أمَرَنا اللهُ بالإفصاحِ عنها، وحثنا على ذكرِها حيثُ قالَ عزَّ مِن قائلٍ: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}.

  وكيف لا يكونُ رسولُ اللهِ مِن أكبرِ النعمِ وقد كان سبباً في فلاحِنا ونجاحِنا، وبفضلِهِ عمَّ العدلُ والفضيلةُ واندحرَ الظلامُ وولَّى الظلمُ؟ فقد كانت رسالةُ