سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 303 - الجزء 2

  النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مكملةً للدينِ، ومُتمةَ للنعمةِ التي هي مِن أجلِّ النعمِ وأسناها، قالَ تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً}.

  كيف لا يكونُ مَقْدَمُ رسولِ اللهِ نعمةً وبفضلِهِ سادَ الأمنُ والأمانُ، وانتشرَ الإحسانُ، وعمَّ الخيرُ، وتحرَّرَ العبيدُ، وأضاءَ نورُ الإيمانِ، وأشرقَ الوجودُ، وابتسمَ الكونُ، وسعدَ الزمانُ.

  وُلِدَ الهدى فالكائناتُ ضياءُ ... وفمُ الزمان تَبَسُّمٌ وثناءُ

  الروحُ والملأُ الملائكُ حولَهُ ... للدين والدنيا به بشراءُ

  بكَ بَشَّرَ اللهُ السما فازَّيَّنَتْ ... وتَفَوَّحَتْ مِسْكًا بكَ الغبراءُ

  كيف نحتفلُ ونفرحُ بمولودٍ رزقناه أو حصادٍ قَرُبَ جناه، أو رِبْحِ بيعٍ كسبناه، وكلُّ هذا من النعمِ الزائلةِ، والملاذِّ العاجلةِ التي لا يدومُ نعيمُها، والتي قد لا يُستحسنُ الفرحُ بها لكونِها من ملهياتِ الدنيا ولَهْوِها.

  كما قالَ تعالى: {وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}.

  ماذا تساوي هذه النعمُ التي نُعِدُّ مِن أجلِها الولائمَ وتُضْرَبُ الطبولُ بجانبِ نعمةِ الإيمانِ والرسولِ التي يحقُّ لنا أن نفرحَ ونحتفلَ ونسعدَ بها، وصَدَقَ اللهُ القائلُ: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ...... يشكرون}.

  فقد نَبَّهنا اللهُ تعالى في هذه الآيةِ إلى شرعيةِ الاحتفالِ بقولِهِ: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} وبَيَّنَ لنا مواضعَ الفرحِ المستحبةَ في الشرعِ، بل وجاءَ بلامِ الأمرِ الموجبةِ بالحثِّ والطلبِ لكلِّ مؤمنٍ بأن يفرحَ بهذا الفضلِ وهذه الرحمةِ التي هي خيرٌ مِن كلِّ ما نَكْنِزُهُ ونَحْرِصُ على جمعِهِ.