الخطبة الأولى
  السلامِ، ثم تذهبُ، وليس من المشروعِ غيرُ ذلك، ولا يجوزُ تكرارُ الزيارةِ غيرَ مرةٍ واحدةٍ بلا قراءةٍ ولا دعاءٍ.
  وأيضًا فإنَّ المرءَ ليقفُ مدهوشاً أمامَ مشاهدَ مماثلةٍ لهذه الحالةِ في مقاماتِ أخرى يحقُّ لها أن تكونَ مِن أعظمِ المقدساتِ التي تُذَكِّرُنا بالإسلامِ وما فيه الخالدُ.
  مِن ذلك غارُ حراءٍ، وجبلُ النورِ الذي انبجستْ من غارِهِ شمسُ العرفانِ، وأضاءتْ ما بين الخافقين، ذلك المكانُ الذي طَالما أوى إليهِ رسولُ اللهِ، وعَكَفَ فيه على العبادةِ والتفكرِ طيلةَ أيامِ الجاهليةِ.
  هذا الغارُ الذي كان له مكانةٌ خاصةٌ في نفسِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وذكرياتٌ عاطرةٌ في ذاكرتِهِ، تراهم يمنعونَ الحجاجَ من زيارتِها والوقوفِ عليها، ويعدُّون الزائرَ لها مبتدعاً ضالاً مأثوماً.
  وكذا يجري الحالُ في غارِ ثورٍ، وفي الغار الذي لجأَ إليه النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ في يومِ أحدٍ حين كُسِرَتْ رباعيتاه، وغيرها من المشاهدِ والمقاماتِ كشهداءِ أحدٍ وشهداءِ بدرٍ التي تُذَكِّرُ بالإسلامِ لتلك الحضارةِ التي خَلَّدَها التاريخُ، وذاعَ صِيتُها في الآفاقِ.
  فما الذي يعنيه مثلُ هذا التصرفِ في حقِّ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ والإسلامِ، وهل هذا إلا طمسٌ لمعالمِ الإسلامِ، ومحوٌ لآثارِهِ المجيدةِ وكل ما يذكرنا به؟
  لماذا يسعى أولئك لإخفاءِ كلِّ تراثٍ عن الرسولِ وكلِّ ما يتصلُ بهِ ابتداءً من بيتِهِ ومسجدِهِ وأماكنِ نزولِهِ وسراحِهِ ورواحِهِ، وانتهاءً بآلاتِ حربِهِ وسيوفِهِ وثيابِهِ وخاتمِهِ وكتبِهِ ورسائلِهِ، وغير ذلك من الميراثِ العظيمِ والتراثِ الذي لا تساويه كنوزُ الدنيا.
  والآثار التي يعتزُّ بها كلُّ مسلمٍ يفاخرُ بحضارتِهِ والماضي المشرقِ الذي أضاءَ له الخافقان، وكان نقطةَ البدايةِ للحريةِ والعزةِ والكرامةِ.