سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 307 - الجزء 2

  نرى كلَّ ذلك يجري أمامَ سمعِ العالمِ الإسلاميِّ وبصرِهِ دونَ نكيرٍ، بينما نراهم في الجانبِ الآخرِ يسعونَ جاهدين بكلِّ ما أوتوا من قوةٍ وإمكانياتٍ للبحثِ والتنقيبِ عن ميراثِ الجاهليةِ وتراثِ الحضاراتِ البائدةِ في العصورِ الغابرةِ.

  ويقومون بدفعِ الأموالِ الباهظةِ في البحثِ والتنقيبِ رجاءَ العثورِ على ما يُذَكِّرُ بالجاهليةِ والعهودِ الظلاميةِ من قطعٍ لصورٍ منحوتةٍ أو كسرِ أصنامٍ يمجدُونها ويباهون الآخرين بها والتي جاءَ الإسلامُ لطمسِها ومَنَعَ مِن اقتنائِها، ونَبَّهَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بأن الملائكةَ لا تدخلُ بيتًا هي فيه، فالعجبُ العجابُ ممن يدوسُ حضارةً عامرةً بالإيمانِ لها مجدُها التليدُ، وتاريخُها المجيدُ ويسعى جاهدًا من أجلِ طمسِ معالِمِها ومحوِ آثارِها.

  في حين يبحثُ عن مجدٍ آخرَ وحضارةٍ جاهليةٍ ميراثُها الأوثانُ ومعابدُ النيرانِ والصورُ والنقوشُ وما شابَهَها من مخطوطاتٍ تالفةٍ وصورٍ لآلهةٍ خرافيةٍ وأساطيرَ وهميةٍ.

  يبذلون في سبيلِ العثورِ عليها الأموالَ الطائلةَ فإذا ما وُجِدَتْ أعيدَ ترميمُها، وهيكلةُ ما اندرسَ من معالِمِها، وشُيِّدَتْ بنفسِ النمطِ والبناءِ الذي كانت عليه، وأُخِذَتْ مقتنياتُها وما تبقى من القطعِ الأثريةِ بها إلى أماكنَ خاصةٍ وبُنِيَتْ لها المتاحفُ التي تعنى بحفظِها والعنايةِ بها، والتي لا تلبثُ أن تفتحَ أبوابَها لتدعوَ الزوارَ والوافدينَ للاطلاعِ عليها وزيارتِها، ولا ترى من ينكرُ ذلك أو يَنْسُبَ ما هذا شأنُهُ إلى شركٍ أو وثنيةٍ، ولا نرى معترضاً على زائرِها، ولا من يَنْسُبُهُ للبدعةِ والضلالِ.

  إن الأمرَ المنهيَّ عنه والذي هو بدعةٌ وضلالةٌ هو ما حَمَلَ بين حناياه تاريخًا يُذَكِّرُنا برسولِ اللهِ أو يحملُ معالمَ تُذَكِّرُنا بحضارةِ الإسلامِ.

  فهذا كلُّهُ بِدَعٌ، وزيارتُهُ والاعتناءُ به ضلالٌ وخروجٌ عن سننِ الشرعِ.