سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 312 - الجزء 2

  وأما العاملُ الثاني فيتمثلُ في ثلةٍ من المتسمينَ بأهلِ السنةِ والذين سعوا جاهدين ولا زالوا ساعين لمحوِ كلِّ ما يُذَكِّرُ بالإسلامِ وبالرسولِ الكريمِ وكلِّ أثرٍ خلَّفَهُ هو ومَن بعدَه من الصحابةِ والتابعين، وكان ذلك منهم بحجةِ القضاءِ على الشركِ وأسبابِهِ، وكان ذلك منهم اعتقادًا بأن بقاءَ بيتِ رسولِ اللهِ وأماكنِ عبادتِهِ ومواضعِ صلاتِهِ وثيابِهِ وبعضِ آلةِ حربِهِ وما يتصل بذلك - سيجعلُ العامةَ يتبركون بها، ويتخذونها وسيلةً للتقربِ إلى اللهِ، وهذا في نظرهم من الشركِ الأكبرِ.

  فسعوا إلى طمسِ معالمِ الحضارةِ الأولى، وإلى محوِ كلِّ آثارٍ تدلُّ على الحياةِ السائدةِ في العصورِ الغابرةِ.

  ولم يألوا جهدًا في التعميةِ والتغييرِ والتبديلِ وطمسِ كلِّ أثرٍ بقيَ بعد الرسولِ ÷ وأصحابِهِ، ابتداءً من بيتِهِ بمكةَ وانتهاءً بالمسجدِ الذي بناه وشيدَهُ في المدينةِ.

  بل لقد طالَ الدمارُ والخرابُ حتى القبورُ والقبابُ والأضرحةُ في البقيعِ، والتي دُمِّرَتْ بالكاملِ ونُسفتْ، وامتحتْ كلُّ آثارِها، وعدمت كلُّ دلائلَ ترشدُ إلى أصحابِها.

  وهذا كلُّه ليس من الدينِ في شيءٍ، بل لَعَمري إنه من هدمِ الدينِ، ومن الوسائلِ الماكرةِ لطمسِ معالمِ الإسلامِ وكلِّ ما يُذَكِّرُ بذلك الدينِ.

  ولو أن آثارَ الإسلامِ بقت على ما كانت عليه مع ترميمِ ما يحتاجُ لذلك، والاعتناءِ بها على شكلِها وجوهرِها الذي كانت عليه لكان لذلك أبلغَ الأثرِ في نفوسِ الزائرين، ولكانت أعظمَ عبرةٍ، وأبلغَ عظةٍ يمكنُ أن تتغلغلَ في أعماقِ النفسِ.

  كيف لا وهو يرى نفسَهُ يتمشى في نفسِ المكانِ الذي كان يضمُّ الرسولَ وأصحابَهُ، ويتجولُ في تلك الأزقةِ وبينَ تلك المحاريبَِ في الصَّفَّةِ والبقيعِ