سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 340 - الجزء 2

  يرقبونَ في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمةً ولو كان من يطلبونَهُ تحتَ أستارِ الكعبةِ.

  بل لقد فعلوها فقد أحرقَ يزيدُ الكعبةَ وانتهكَ حرمتَها واستحلَّ دماءَ أهلِها سنة (٦٣ هـ) بقيادةِ الحصينِ بنِ نميرٍ في حربِهِ مع ابنِ الزبيرِ، وتكررتْ هذه المأساةُ مرةً أخرى فقد هدمَ الحجاجُ بنُ يوسفَ الكعبةَ وأحرقَها بالمنجنيقِ، وقتلَ مِن أهلِ الحرمِ من قتلَ من المسلمين بأمرِ عبدِ الملكِ بنِ مروان.

  ويقال: إن الإمام الحسين عقد العزمَ على أن يتوجهَ إلى اليمنِ الميمونِ، بلدِ الإيمانِ والحكمةِ، وموطنِ الشيعةِ الكرامِ، أهلِ النجدةِ والنصرةِ والْمَنَعَةِ لعلَهُ ينجو من يزيدَ، ويسلمُ منه عرضُهُ ودينُهُ.

  ولكن وفدتْ على الحسينِ رسلٌ بعد رسل من الكوفةِ، وتحمل رسائل ومكاتبات بلغت ثمانمائة كتاب فيها بيعة نحو أربعة وعشرين ألفًا يدعونَهُ إليهم، ويَعِدُوْنَه بالنصرةِ والمنعةِ، وأن يَهْلَكوا دونَهُ، ولكنَّ الإمامَ الحسينَ # كان أكبر مِن أن يُخْدعَ فقد كان يعرفُ أهلَ العراقِ وما هم عليهِ من النفاقِ، وما تَحَلَّوا به مِن المكرِ والخديعةِ، وكيف يعوِّلُ عليهم في النصرةِ وهم أهلُ الغدرِ والخيانةِ؟

  وكيف ينسى ما فعلوه بأبيهِ من قبلِهِ؟ وكيف خدعوه وانقلبوا ضدَّهُ.

  ولكن ومع إصرارِ الحسينِ على موقفِهِ الرافضِ لطلبِهم تزايدتْ عليه المراسيل، وكَثُرَتْ من أهلِ الكوفةِ المكاتباتُ والمناشداتُ حتى بلغتْ ثمانمائة كتاب فيها بيعة أربعة وعشرين ألفا برواية أبي العباس في المصابيح، يشكون فيها ما يلاقونَ من ظلمِ بني أميةَ، وما ذاقوه من جبروتِ الولاةِ وبطشِهم، وحمَّلوه الحجةَ البالغةَ بأن يأتيَ إليهم ليخلصَهم من ذلك الظلمِ، وأنهم له أعوانٌ وأنصارٌ.

  ويؤكدون له بالأيمانِ المغلظةِ والمواثيقِ المؤكدةِ بأن ينصروه، ويعدونه أنهم كلُّهم طوعُ أمرِهِ ورهنُ إشارتِهِ.

  عند ذلك لم يرَ الإمامُ الحسينُ # بُدًّا من إجابتِهم والاستجابةِ لطلبِهم، فقد