سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 346 - الجزء 2

  أرواحَهم قرابينَ فداءً بين يديه حتى تختلطَ دماؤُهم بدماءِ أبناءِ الرسولِ، وتزفَ أرواحُهم مجتمعةً إلى الرفيقِ الأعلىِ، ليكونَ في مقدمةِ المستقبلين أشرفُ الأنبياءِ والمرسلين محمدُ بنُ عبدِ اللهِ ÷ الذي ينتظرُ حفيدَهُ وفلذةَ كبدِهِ بفارغِ الصبرِ.

  يالله كل هذه الجيوش على هذه الكوكبة الطاهرة - أرسل ابن زياد شبث بن ربعي وشمر بن ذي الجوشن في سبعة ألف رجل - يا لها من نفوس فاجرة وقلوب كافرة، وأجساد خامرة - لولا أن الله أخر الجزاء ليوم الحساب لاستحقوا أن تمور بهم الأرض مورًا وتسير الجبال سيرًا - ولكن بعد الحياة موت.

  عبادَ الله:

  لقد كان الحسينُ # من أشدِّ الناسِ حرصًا على صونِ الأعراضِ وحفظِ الدماءِ، لم يكن به مِن حاجةٍ لإزهاقِ الأرواحِ ولا إراقةِ الدماءِ.

  لقد كان رجلَ إصلاحٍ وبناءٍ، ورجلَ سلامٍ، يسعى لنشرِ الودِّ والمحبةِ والرحمةِ والعدلِ والمساواةِ بين الناسِ.

  ولذا كان يخرجُ بين الصفين ينادي عسكرَ يزيدَ كلَّ يومٍ بأعلى صوتِهِ يدعوهم بأسمائِهم وكُناهم: يا فلانُ بنُ فلان، يا أبا فلانٍ، ويعظُهم ويحذرُهم عاقبةَ فعلِهم وفداحةَ ما هم ناوون الإقدامَ عليه.

  فلا يردون عليه إلا بالسبِّ والشتيمةِ والقذفِ بالحجارةِ والنبالِ، بل لقد أرسلَ الإمامُ الحسينُ إلى ابن سعدٍ قائدِ جيشِ ابن زيادٍ وطلبَ منه أن يجتمعَ به ساعةً، فاجتمعا ليلًا وتناجيا طويلًا.

  ثم قالَ له الحسينُ #: يا ابنَ سعدٍ، اخترْ مني إحدى ثلاث: إما أن تتركوني أرجعُ على المدينة كما جئتُ، أو إلى إحدى بلادِ المسلمين، أو أسيرُ إلى يزيدَ أرى رأيي معه.