الخطبة الثانية
  ولكن لم يلقَ لصدى صوتِهِ أذنًا سامعةً، وذهبَ كلُّ صراخِهِ أدراجَ الرياحِ، فالقوم كانوا متعطشين إلى سفكِ الدماءِ قد أدمنوا على القتلِ والسلبِ والنهبِ.
  عبادَ الله:
  نهضَ جيشُ يزيدَ لحربِ الحسينِ # وتتابعتْ جنودُ الظالمينَ زرافاتٍ، تتقدمُهم الراياتُ إلى أرضِ كربلاءَ، حتى اجتمعَ في كربلاءَ قرابةُ ثلاثينَ ألفَ مقاتلٍ، وقيلَ: سبعين ألفًا، الذين خرجوا إلى حرب الحسين، حيث إن أغلبَ أهلِ الكوفةِ الذين بايعوا الإمامَ الحسينَ وغيرِهم من القبائلِ قد نكثوا بيعتَهُ وقد خرجوا كباراً وصغارًا ليقاتلوا الحسين بدلاً من أن ينصروه حتى أنهم مِن كثرتِهم لم يجدوا خيلاً يركبونها فركبوا الحمير والأبقار، وذلك طمعاً منهم في المالِ الذي أغراهم به يُزيد، والجوائزِ المغريةِ التي طمعوا فيها، وهكذا ما زالت العساكرُ والجنودُ تتوافدُ إلى أرضِ كربلاءَ ثلاثةَ أيامٍ متتاليةٍ، والذي لم يحضرْ للحربِ فقد حضرَ للسلبِ والنهبِ.
  عساكرُ جرارةٍ، وفوارسُ مدججةٌ بالسلاحٍ، غارقةٌ في الحديدِ، كادوا أن يبلغوا السبعينَ ألفَ محاربٍ، خرجوا لا لينصروا الدينَ، ولا لفتحِ بلادِ المشركين، ولم يحضروا لردِّ عدوانِ الفرسِ أو الرومِ، بل خرجوا للقضاءِ على طائفة من قرابة النبي وقرناءِ القرآنِ ومن صحابة النبي وأبنائهم فيهم الأطفالُ والنساءُ.
  قد ذبلت شفاهُهم من الظمإِ وتيبستْ حلوقُهم من العطشِ، خرجتْ جنودُ يزيدَ وابنِ زيادٍ مدججةً بالسلاحِ قد ضاقتْ بهم الصحراءُ من أجلِ القضاءِ على ذريةِ النبيِّ الخاتمِ، ومن أجلِ أن يستحلوا حرمَ رسولِ اللهِ، ويسوقون بناتَهُ كالسبايا كما تساقُ العبيدُ، فإنا للهِ وإنا إليه راجعون.
  وبعد أن تجمعت الجيوشُ نادى ابنُ سعدٍ بالركوبِ فركبَ الجندُ، وزحفوا