سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 348 - الجزء 2

  نحوَ الحسينِ، وحالوا بينَهُ وبينَ ماءِ الفراتِ، ذلك النهرِ العظيمِ الذي تتمرغُ على شطّانه الكلابُ والخنازيرُ، ويتلوى كالأفعى في قلبِ الصحراءِ ولم يدعوا أحدًا من أبناءِ الحسينِ وأصحابِهِ أن يذوقَ منه قطرةً واحدةً، وكان الوقت صيفًا، والحرُّ شديدًا، فزاد بالأطفالِ والنساءِ العطشُ، وذبلتِ الشفاهُ، ويبست الألسنُ، وانقطعَ الحليبُ عن الأطفالِ، وزاد البكاءُ والعويلُ.

  وزادوا في وقاحتِهم أن كتبَ ابنُ زيادٍ إلى ابنِ سعدٍ: أني قد حللتُ ماءَ الفراتِ للكلابِ والخنازيرِ، وحرمتُهُ على الحسينِ وأصحابِهِ وأهلِ بيتِهِ حتى يستسلموا لي، وينزلوا على حكمي، فجعلَ ابنُ سعدٍ على مشرعةِ الماءِ خمسمائة فارسٍ يحرسونها من الحسينِ وأصحابِهِ بالليلِ والنهارِ.

  تموتُ الأسدُ في الغاباتِ جوعًا ... ولحمُ الضأنِ يرمى للكلابِ

  وذو جهلٍ ينامُ على حريرٍ ... وذو علمٍ ينامُ على التراب

  بنات يزيد في قصور مشيدة ... وآل رسول الله في الفلوات

  سأبكيهم ما ظل في الأفق بارق ... ونادى منادِ الخير في الصلوات

  عبادَ الله:

  روي أن جندَ ابنِ زيادٍ لَمَا منعوا الحسينَ وأصحابَهُ من الماءِ زادَ العطشُ والظمأُ بالأطفالِ والنساءٍ وقد كان الوقتُ صيفًا والحرُّ شديداً لا يطاقُ وخاصة في أرضِ العراقِ.

  فأمرَ الحسينُ # أخاه العباسَ وجماعةً من أصحابِهِ أن يحفروا بئرًا في المخيمِ، ففرحَ الأطفالُ والنساءُ واستبشروا خيرًا، وهرعوا بأجمعِهم واصطفوا حولَ البئرِ وهم ينتظرون ظهورَ الماءِ، وكلُّ واحدٍ يَعِدُ الآخرَ بشربِ الماءِ، وهم