سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 350 - الجزء 2

  رغم قلتِهم وعطشِهم، فقد ضربوا أروعَ الأمثلةِ في التضحيةِ والفداءِ بين يدي الحسينِ # وفي الذودِ عن حرمِ رسولِ اللهِ وأهلِ بيتِهِ.

  ولكن ومع تكاثرِ أعدادِ الجيشِ لم يستطعْ أنصارُ الحسينِ الإجهازَ عليهم، بل كلما فرقوا منهم طائفةً جاءتْ بعدها أخرى.

  فتكاثروا على أصحابِ الحسينِ، وصاروا يقضون عليهم الواحدَ تلوَ الآخر، وكل واحد منهم يوصي صاحبَهُ بالحسينِ، وأن يهلكَ دونَهُ.

  وهكذا دارتْ رحى الحربُ إلى أن ذهبَ أغلبُ أنصارِ الحسينِ شهداءَ أبراراً أتقياءَ، ولم يبقَ إلا القلةُ مع النساءِ والأطفالِ، وصدقَ عليهم قولُ اللهِ تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}.

  وأستغفر الله أن أقول: سقطوا على الأرض، بل صعدوا إلى السماء وفازوا بالقدح الْمُعلَّى وشربوا كأس الْمُنى، ثم تبارزَ القومُ بعضُهم لبعضٍ، فكان يبرزُ الرجلُ من أنصارِ الحسينِ فيقاتلُ حتى يُقتلَ، ثم يخرجُ الآخرُ للمبارزةِ بعدَهُ، فبرزَ من أنصارِ الحسينِ زهيرُ بنُ القينِ فقاتلَ حتى قُتِل، ثم برزَ عابسُ بنُ شبيبٍ، فقاتلَ حتى قُتِلَ، ثم برزَ وهبُ بنُ الكلبيِّ، وكانت معه أمُّهُ وزوجتُهُ، فقالت له أمُّهُ: قمْ يا بنيَ انصر ابنَ بنتِ رسولِ اللهِ.

  فقالَ: أفعلُ يا أماه، فقامت إليه زوجتُهُ وتعلقتِ بأذيالِهِ وقالت له: باللهِ عليك لا تفجعني بنفسِكَ.

  فقالت أمُّهُ: لا تسمعْ قولَهَا، فتركَها وأقبلَ على الجهادِ، فقاتلَ حتى قطعتْ إحدى يديه، فالتفتَ إلى المخيمِ وإذا بزوجتِهِ حاملةً عمودَ الخيمةِ وهي تضربُ به الأعداءَ وتقولُ لزوجِها: فداكَ أبي وأمي يا وهبُ، قاتلْ دونَ الطيبين الطاهرين، فأقبلَ كي يردَّها إلى الخيمةِ، فقالَ لها: ويلكِ كنْتِ قبلَ ساعةٍ تنهينني عن القتالِ