سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 352 - الجزء 2

  ولم يبقَ من أنصارِ الحسينِ إلا العجزةُ والأطفالُ الذين لا قدرةَ لهم على القتالِ، وبدأوا يتدافعون إلى الحسينِ ليأذنَ لهم بالحربِ، فتقدمَ غلامانِ من بني غفار، قيل: هما أبناءُ أبي ذرِّ الغفاريِّ |، فتقدما إلى الحسينِ وهما يبكيان، وطلبا منه الأذنَ في الحربِ، فقال الحسين: مرحبًا بكما، ولكن ما يبكيكما.

  فقالا له: جُعلْنا فداكَ ما على أنفسِنا نبكي، ولكن نبكي عليك، نراكَ وقد أحاطَ بكَ القومُ، ولا نقدرُ أن ندفعَ عنك ونمنعَكَ، فبرزَ الغلامان فقاتلا حتى قُتِلا رحمهما اللهُ، ثم خرجَ شابٌّ من مخيمِ الحسينِ كان قد استشهدَ أبوه في المعركةِ، وكانت أمُّهُ معه في كربلاءَ، فقالتْ له أمُّهُ: يا بنيَ اخرجْ وقاتلْ بين يدي ابنِ رسولِ اللهِ.

  فخرجَ الشابُ، واستأذنَ الحسينَ، فقالَ الحسينُ: هذا قُتِل أبوه في المعركةِ، ولعل أمَّهُ تكرهُ خروجَهُ إلى القتالِ [أي: أنه لم يبقَ لها من يعولُها غيرُه].

  فقالَ الشابُّ: يا سيدي، أمي هي التي أمرتني بالقتالِ، فخرجَ إلى المعركةِ ولم يزلْ يقاتلُ القومَ حتى قُتلَ |.

  ثم إن القومَ بعدما قتلوه احتزوا رأسَهُ ورموا به نحوَ مخيمِ النساءِ، فقامتْ إليه أمُّهُ فضمتْهُ وقبلتْهُ، ثم حملتْ عمودَ الخيمةِ وبرزتْ تقاتلُ القومَ فردَّها الحسينُ # ومنعَها عن القتالِ.

  عبادَ الله:

  لقد مضى أنصارُ الحسينِ شهداءَ إلى رحمةِ اللهِ، ولم يبقَ سوى النساءِ والأطفالِ، وهم يتضورون عطشًا ويسألون الحسينَ # أن يجلبَ لهم الماءَ، ويُذهبَ ما بهم من الظمإِ، وهم في حالةٍ يُرثى لها، عندها تقدَّمَ العباسُ بنُ عليٍّ أخو الحسينِ وهو آخرُ مَن تبقى من أصحابِ الحسينِ، وطلبَ من الحسينِ أن يأذنَ له في مبارزةِ الأعداءِ، فأذن له الحسينُ واعتنقَهُ، واستودعَهُ وداعًا لا اجتماعَ ولا لقاءَ بعدَه.